للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصليب، أو لموسى، أو لعيسى صلى الله عليهما، أو للكعبة، ونحو ذلك، فكلُّ هَذَا حرام، ولا تحل هذه الذبيحة، سواء كَانَ الذابح مسلما، أو نصرانيا، أو يهوديا، نصّ عليه الشافعى، واتفق عليه أصحابنا، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له، غير الله تعالى، والعبادة له، كَانَ ذلك كفرا، فان كَانَ الذابح مسلما، قَبْلَ ذلك صار بالذبح مرتدا. وذكر الشيخ إبراهيم المروزى، منْ أصحابنا أن ما يُذبح عند استقبال السلطان، تقربا إليه أفتى أهل بخارة (١) بتحريمه؛ لأنه مما أهل به لغير الله تعالى، قَالَ الرافعي: هَذَا إنما يذبحونه؛ استبشارا بقدومه، فهو كذبح العقيقة، لولادة المولود، ومثل هَذَا لا يوجب التحريم. والله أعلم. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الرافعيّ رحمه الله تعالى هو الظاهر. والله تعالى أعلم.

وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ: وأما لعن منْ ذبح لغير الله، فإن كَانَ كافرًا يَذبح للأصنام، فلا خفاء بحاله، وهي التي أُهلّ بها لغير الله، والتي قَالَ الله تعالى فيها: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: ١٢١]، وأما إن كَانَ مسلمًا، فيتناوله عموم هَذَا اللعن، ثم لا تحَلّ ذبيحته؛ لأنه لم يَقصد بها الإباحة الشرعيّة، وَقَدْ تقدّم أنها شرط فِي الذكاة، ويُتصوَّر ذبح المسلم لغير الله فيما إذا ذبح عابثًا، أو مُجرِّبًا لآلة الذبح، أو اللَّهو، ولم يقصِد الإباحة، وما أشبه ذلك. انتهى. "المفهم" ٥/ ١٤٤ - ٢٤٥.

(وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى) أي ضمّه، ومنعه ممن له عليه حقّ، ونصره، ويقال: أوى بالقصر والمدّ، متعدّيًا، ولازمًا، والقصر فِي اللازم أكثر، والمدّ فِي المتعدّي أكثر. قاله القرطبيّ فِي "المفهم" ٣/ ٤٨٧.

وبالأكثر جاء القرآن العزيز فِي الموضعين، قَالَ الله تعالى فِي اللازم: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الآية: الكهف: ٦٣] وَقَالَ فِي المتعدّي: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} الآية [المؤمنون: ٥٠].

(مُحْدِثًا) بكسر الدال، اسم فاعل منْ أحدث، والمراد منْ يأتى بالفساد فِي الأرض. قاله النوويّ. وَقَالَ القرطبيّ: يعني منْ أحدث ما يخالف الشرع، منْ بدعة، أو معصية، أو ظلم، كما قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "منْ أحدث فِي أمرنا هَذَا ما ليس منه، فهو ردّ"، متَّفقٌ عليه.

قَالَ النوويّ فِي "شرح مسلم" ٩/ ١٤٣ نقلاً عن القاضي عياض رحمهما الله -عند


(١) هكذا نسخة شرح النوويّ "بخارة" بتاء التأنيث، ولعله مصحف منْ بخارا بالألف مقصورًا، فليحرر. والله تعالى أعلم.