للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما لا يحتاج إليه إلا نادرًا، فلا يدخل فِي النهي. [والثالث]: أن يظهر ببيع ذلك المتاع سعة فِي البلد، فإن لم يظهر لكبر البلد، أو قلّة ما معه، أو لعموم وجوده، ورخص السعر، فوجهان: أوفقهما للحديث التحريم. [والرابع]: أن يعرِض الحضري ذلك عَلَى البدويّ، ويدعوه إليه، أما إذا التمس البدويّ منه بيعه تدريجيًّا، أو قصد الإقامة فِي البلد لبيع ذلك، فسأل البدوي تفويضه إليه، فلا بأس به؛ لأنه لم يضرّ بالناس، ولا سبيل إلى منع المالك منه.

ولو أن البدويّ استشار البلديّ فيما فيه حظّه، فهل يرشده إلى الادّخار، أو البيع عَلَى التدريج؟ وجهان، حكى القاضي ابن كجّ، عن أبي الطيّب بن سلمة، وأبي إسحاق المروزي أنه يجب عليه إرشاده إليه؛ أداءً للنصيحة، وعن أبي حفص بن الوكيل: أنه لا يرشده إليه؛ توسيعًا عَلَى النَّاس، وكذا اعتبر الحنابلة هذه الشروط، وعبارة ابن تيميّة فِي "المحرّر": وبيع الحاضر للبادي منهيّ عنه بخمسة شروط: أن يحضر البادي لبيع شيء بسعر يومه، وهو جاهلٌ بسعره، وبالناس إليه حاجةٌ، ويقصده الحاضر. وَقَالَ مالك فِي البدوي يَقْدَمُ، فيسأل الحاضر عن السعر، أكره له أن يُخبره. وَقَالَ أيضًا: لا أرى أن يبيع مصريّ لمدنيّ، ولا مدنيّ لمصريّ، ولكن يُشير عليه. وَقَالَ أيضًا: لا يبيع أهل القرى لأهل البادية سِلَعَهم، قيل له: فإن بعث بالسلعة إلى أخ له منْ أهل القرى، لم يقدم معه سلعته؟ قَالَ: لا ينبغي له ذلك، حكى ذلك كله عنه ابن عبد البرّ، ثم حكى عن ابن حبيب أنه قَالَ: لا يبعث البدويّ إلى الحضريّ بمتاع يبيعه له، ولا يُشير عليه فِي البيع، إن قدم عليه، ثم حكى عن الليث بن سعد أنه قَالَ: لا يشير الحاضر عَلَى البادي؛ لأنه إذا أشار عليه، فقد باع له؛ لأن منْ شأن أهل الباديه أن يرخصوا إلى أهل الحضر؛ لقلّة معرفتهم بالسوق. وَقَالَ الأوزاعيّ: لا يبيع حاضر لباد، ولكن لا بأس أن يُخبره بالسعر.

وَقَالَ الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد فِي "شرح العمدة": [واعلم]: أن أكثر هذه الأحكام تدور بين اتّباع المعنى، واتباع اللفظ، ولكن ينبغي أن يُنظر فِي المعنى إلى الظهور والخفاء، فحيث يظهر ظهورًا كثيرًا، فلا بأس باتّباعه، وتخصيص النصّ به، أو تعميمه عَلَى قواعد القياس، وحيث يخفى، أو لا يظهر ظهورًا قويًّا، فاتباع اللفظ أولى، وأما ما ذكره فِي اشتراط أن يلتمس البدويّ ذلك، فلا يقوى؛ لعدم ظهور دلالة اللفظ عليه، وعدم ظهور المعنى فيه، فإن المذكور الذي علّل به النهي، لا يفترق الحال فيه، بين سؤال البلديّ وعدمه ظاهرًا. وأما اشتراط أن يكون الطعام مما تدعوا الحاجة إليه، فمتوسّط فِي الظهور وعدمه؛ لاحتمال أن يراعى مجرّد ربح النَّاس عَلَى ما أشعر به