للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك روايتان، ومستند البطلان اقتضاء النهي الفساد، قَالَ أصحابنا، وغيرهم: ولا خيار للمشتري، وروى سحنون، عن ابن القاسم أنه يؤدّب الحاضر إذا باع للبادي، وروى عيسى عنه إن كَانَ معتادًا لذلك، وروى عن ابن وهب أنه لا يؤدّب، سواء كَانَ عالمًا، أو جاهلًا. انتهى "طرح" ٦/ ٧٥.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: أن القول ببطلان البيع هو الأرجح؛ لأن النهي يقتضي الفساد، ولم يوجد فِي النصّ ما يصرفه عنه، كما وُجد فِي بيع المصرّاة، حيث قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "فمن ابتاع مصرّاة، فهو بخير النظرين" الْحَدِيث، فإن تخييره البائع يصرف النهي فيه عن اقضائه الفساد، فافهم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي الشراء لأهل البدو:

قَالَ الإِمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى: فأما الشراء لهم، فيصح عند أحمد، وهو قول الحسن، وكرهت طائفة الشراء لهم، كما كرهت البيع، يُروَى عن أنس -رضي الله عنه-، قَالَ: كَانَ يقال: هي كلمة جامعة، يقول: "لا تبيعنّ له شيئًا، ولا تبتاعنّ له شيئًا"، وعن مالك فِي ذلك روايتان، ووجه القول الأول، أن النهي غير متناول للشراء بلفظه، ولا هو فِي معناه، فإن النهي عن البيع؛ للرفق بأهل الحضر؛ ليتسع عليهم السعر، ويزول عنهم الضرر، وليس ذلك فِي الشراء لهم، إذ لا يتضررون؛ لعدم الغبن للبادين، بل هو دفع الضرر عنهم، والخلق فِي نظر الشارع عَلَى السواء، فكما شَرَع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر، لا يلزم أن يلزم أهل البدو الضرر. انتهى "المغني" ٦/ ٣١١.

وَقَالَ وليّ الدين رحمه الله تعالى: أما شراء الحاضر للبادي، فاختلف فيه قول مالك، فمرّة منعه، ومرّة قَالَ: لا بأس به، وَقَالَ ابن حبيب: الشراء للبادي مثل البيع، ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبيع بعضكم عَلَى بيع بعض"، إنما هو لا يشتري أحدكم عَلَى شراء بعض، قَالَ: فلا يجوز للحضريّ أن يشتري للبدويّ، ولا أن يبيع له، وبه قَالَ ابن حزم الظاهريّ، وَقَدْ عرفت الردّ عليه فِي حمل البيع فِي ذلك الْحَدِيث عَلَى الشراء قريبًا، ولم يتعرّض أصحابنا لمنع شراء الحاضر للبادي. انتهى. "طرح" ٦/ ٧٥.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بجواز الشراء هو الأرجح؛ إذ الظاهر عدم تناول قوله: "ولا يبع حاضر لباد" للشراء هنا؛ لأن علّة منع البيع هو التوسعة لأهل المدينة ببيع سلعته بسعر يومه، وهذا لا يوجد فِي الشراء. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): بوّب الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، بقوله: "هل يبيع الحاضر للبادي بغير أجر، وهل يُعينه، أو ينصحه، قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا