للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي مسافة منع التلقّي، فقيل: يومان، وقيل ستة أميال، وقيل: قرب المصر. قلت: هذه التحديدات متعارضةٌ، لا معنى لها؛ إذ لا توقيف، وإنما محلّ المنع أن ينفرد المتلقّي بالقادم خارج السوق بحيث لا يعرف ذلك أهل السوق غالبًا، وعلى هَذَا، فيكون ذلك فِي القريب والبعيد، حَتَّى يصحّ قول بعض أصحابنا: لو تلقّى الجلب فِي أطراف البلد، أو أقاصيه، لكان تلقّيًا منهيًّا عنه، وهو الصحيح؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- فِي الرواية الأخرى عن تلقّي السلع حَتَّى تورد الأسواق، فلو لم يكن للسلعة سوقٌ، فلا يخرج إليها؛ لأنه التلقّي المنهيّ عنه، غير أنه يجوز أن يشتري فِي أطراف البلد؛ لأن البلد كلّه سوقها. انتهى "المفهم" ٤/ ٣٦٦.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق أن الصواب هو ما عليه الجمهور منْ أن التلقيّ حرام مطلقًا، سواء كانت المسافة قريبة، أم بعيدة، إذا كَانَ خارج السوق؛ لإطلاق النصوص فِي ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): قد عقد الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، بابًا لمنتهى التلقّي، فَقَالَ: "باب منتهى التلقّي"، ثم أورد فيه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. "كنّا نتلقّى الركبان، فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن نبيعه، حَتَّى نبلغ به سوق الطعام"، وحديثه: "كانوا يتبايعون الطعام فِي أعلى السوق، فيبيعونه فِي مكانه، فنهاهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يبيعوه فِي مكانه، حَتَّى ينقلوه"، فبيّن بالرواية الثانية أن التلقّي كَانَ إلى أعلى السوق منْ غير خروج عن البلد، فإن خرج منها، وقع فِي التلقّي المنهيّ عنه، قَالَ وليّ الدين: وكلام أصحابنا يوافق هَذَا، حيث قالوا فِي تعريفه الذي قدّمت ذكره "قبل قدومهم البلد"، والمعنى فيه أنهم إذا قدموا البلد أمكنهم معرفة السعر، وطلب الحظّ لأنفسهم، فإن لم يفعلوا ذلك، فهو بتقصيرهم، وأما قبل دخول البلد، فإنهم لا يعرفون السعر، ولو أمكنهم تعرّفه، فنادرٌ، لا يترتب عليه حكم. وذكر ابن بطّال أن ما كَانَ خارجًا عن السوق فِي الحاضرة، أو قريبًا منها بحيث يجد منْ يسأله عن سعرها أنه لا يجوز الشراء هنالك؛ لأنه داخل فِي معنى التلقّي، وأما الموضع البعيد الذي لا يقدر فيه عَلَى ذلك، فيجوز فيه البيع، وليس بتلقّ. قَالَ مالك: وأكره أن يشتري فِي نواحي المصر حَتَّى يهبط به السوق. قَالَ ابن المنذر: وبلغني هَذَا القول عن أحمد، وإسحاق أنهما نهيا عن التلقّي خارج السوق، ورخّصا فِي ذلك فِي أعلى السوق إلى آخر كلامه، فرد تبويب البخاريّ إلى مذهبه، والمعنى الذي ذكره فِي أنه إذا وجد منْ يسأله عن السعر كَانَ الشراء حرامًا، وإن لم يجد منْ يسأله عن السعر، كَانَ جائزًا غير ملائم، والذي يقتضيه النظر عكسه. والله أعلم.