للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صحة البيع فيها، وفساده، كبيع العين الغائبة، مبنيّ عَلَى هذه القاعدة، فبعضهم يَرَى أن الغرر حقير، فيجعله كالمعدوم، فيصح البيع، وبعضهم يراه ليس بحقير، فيبطل البيع. والله أعلم.

[واعلم]: أن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع حَبَل الْحَبَلة، وبيع الحصاة، وعَسْبَ الفحل، وأشباهها، منْ البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة، هي داخلة فِي النهي عن بيع الغرر، ولكن أُفردت بالذكر، ونهُي عنها؛ لكونها منْ بياعات الجاهلية المشهورة. والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" ١٠/ ٣٩٦.

وَقَالَ شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأما الغرر، فالأصل فِي ذلك أن الله تعالى حرّم فِي كتابه أكل أموالنا بالباطل، وهذا يعمّ كلّ ما يؤكل بالباطل، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر، والغرر هو المجهول العاقبة، فمن أنواعه: بيع حَبَل الحَبَلة، وبيع الملاقيح، وبيع المضامين، وبيع الثمار قبل بدوّ صلاحها، وبيع الملامسة، والمنابذة، ونحو ذلك، منْ أنواعه، وصوره. والغرر ثلاثة أنواع: بيع المعدوم، كحبل الحبلة، وبيع المعجوز عن تسليمه، كالجمل الشارد. وبيع المجهول المطلق، أو المجهول الجنس، أو المجهول القدر.

وَقَالَ أيضًا رخّص الشارع فيما تدعو الحاجة إليه منْ الغرر، كبيع العقار بأساسه، والحيوان الحامل، والثمرة بعد بُدُوّ صلاحها، وبيع ما المقصود منه مغيّب فِي الأرض، كالبصل، والفجل، ونحوهما قبل قلعه، وتختلف مشارب الفقهاء فِي هَذَا، فأبو حنيفة، والشافعيّ أشدّ النَّاس قولًا فِي الغرر، وأصول الشافعيّ المحرّمة أكثر منْ أصول أبي حنيفة، أما مالك، فمذهبه أحسن المذاهب فِي هَذَا، فإنه يجوّز بيع هذه الأشياء، وجمع ما تدعو الحاجة إليه، أو يَقِلّ غرره، فيجوز بيع المقاثي جملة، وبيع المغيّبات فِي الأرض، كالجزر، والفجل، والبصل، ونحو ذلك، وأحمد قريب منه في ذلك، والناس محتاجون إلى هذه البيوع، والشارع لا يُحرّم ما يحتاج النَّاس إليه منْ البيع؛ لأجل نوع منْ الغرر، وهذا أصح الأقوال، وعليه يدلّ غالب معاملات السلف، ولا يستقيم أمر النَّاس فِي معاشهم إلا به، وكلّ منْ شدّد فِي تحريم ما يعتقده غررًا، فإنه لابد أن يضطرّ إلى إجازة ما حرّمه الله، فإما أن يخرج عن مذهبه الذي يقلّده فِي هذه المسألة، وإما أن يحتال، ومفسدة التحريم لا تزول بالحيلة. انتهى. "مجموع الفتاوى" ٢٩/ ٢٢٧ و٤٨٦.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله شيخ الإِسلام رحمه الله تعالى منْ ترجيح مذهب مالك فِي جواز ما تدعو الحاجة إليه منْ الأشياء التي فيها الغرر هو