للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ ابن قدامة رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يشتري أكثر منْ خمسة أوسق، فيما زاد عَلَى صفقة، سواء اشتراها منْ واحد، أو منْ جماعة. وَقَالَ الشافعيّ: يجوز للإنسان بيع جميع ثمر حائطه عرايا، منْ رجل واحد، ومن رجال فِي عقود متكررة؛ لعموم حديث زيد، وسهل، ولأن كل عقد جاز مرة، جاز أن يتكرر، كسائر البيوع. ولنا أن النهي عن المزابنة عامّ، استُثنِي منه العرية، فيما دون خمسة أوسق، فما زاد يبقى عَلَى العموم فِي التحريم؛ ولأن ما لا يجوز عليه العقد مرة، إذا كَانَ نوعا واحدا، لا يجوز فِي عقدين، كالذي عَلَى وجه الأرص، وكالجمع بين الأختين، فأما حديث سهل، فإنه مقيد بالنخلة والنخلتين، بدليل ما روينا، فيدل عَلَى تحريم الزيادة عليهما، ثم إن المطلق يحمل عَلَى المقيد، كما فِي العقد الواحد. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الحنبليّة منْ عدم جواز أكثر منْ خمسة أوسق مطلقًا هو الأرجح؛ لوضوح دليله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: إن باع رجل عريتين منْ رجلين، فيهما أكثر منْ خمسة أوسق جاز، وَقَالَ أبو بكر، والقاضي: لا يجوز؛ لما ذكرنا فِي المشتري، ولنا أنَّ الْمُغَلَّب فِي التجويز حاجة المشتري، بدليل ما روى محمود بن لبيد، قَالَ: قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين منْ الأنصار، شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن الرُّطَب يأتي، ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه، وعندهم فضول منْ التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها منْ التمر، الذي فِي أيديهم، يأكلونه رطبا" (١). وإذا كَانَ سبب الرخصة حاجة المشتري، لم تعتبر حاجة البائع إلى البيع، فلا يتقيد فِي حقه بخمسة أوسق، ولأننا لو اعتبرنا الحاجة منْ المشتري، وحاجة البائع إلى البيع، أفضى إلى أن لا يحصل الإرفاق، إذ لا يكاد يتفق وجود الحاجتين، فتسقط الرخصة، فإن قلنا: لا يجوز ذلك بطل العقد الثاني، وإن اشترى عريتين، أو باعهما، وفيهما أقل منْ خمسة أوسق جاز وجها واحدا. قاله فِي "المغني" ٦/ ١٢٢ - ١٢٣.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي القول الأول أرجح. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): أنه لا يشترط فِي بيع العرية، أن تكون هبة لبائعها، قَالَ ابن قُدامة: هَذَا ظاهر كلام أصحابنا، وبه قَالَ الشافعيّ، وظاهر قول الْخِرَقي أنه شرط. وَقَدْ


(١) ذكره الزيلعيّ فِي "نصب الراية" ٤/ ١٣ - ١٤ نقلًا عن صاحب "التنقيح"، وَقَالَ: لم أجد له سندًا بعد الفحص البالغ، وذكره الشافعيّ فِي "باب العرايا" منْ "كتاب البيوع" "الأم" ٣/ ٤٧.