للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يخفى ما فيه. (ومنها): ما قَالَ القرطبيّ: استدل بهذا الْحَدِيث، منْ لم يقل بسد الذرائع؛ لأن بعض صور هَذَا البيع، يؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلا، ويكون الثمن لغوا، قَالَ: ولا حجة فِي هَذَا الْحَدِيث؛ لأنه لم ينص عَلَى جواز شراء التمر الثاني، ممن باعه التمر الأول، ولا يتناوله ظاهر السياق بعمومه، بل بإطلاقه، والمطلق يحتمل التقييد إجمالا، فوجب الاستفسار، وإذا كَانَ كذلك، فتقييده بأدنى دليل كاف، وَقَدْ دل الدليل عَلَى سد الذرائع، فلتكن هذه الصورة ممنوعة.

واستدل بعضهم عَلَى الجواز، بما أخرجه سعيد بن منصور، منْ طريق ابن سيرين، أن عمر خطب، فَقَالَ: إن الدرهم بالدرهم، سواء بسواء، يدا بيد، فَقَالَ له ابن عوف: فنعطي الجنيب، ونأخذ غيره؟ قَالَ: لا، ولكن ابتع بهذا عَرْضًا، فإذا قبضته، وكان له فيه نية، فاهضم ما شئت، وخذ أيّ نقد شئت. واستدل أيضًا بالاتفاق، عَلَى أن منْ باع السلعة التي اشتراها، ممن اشراها منه بعد مدة، فالبيع صحيح، فلا فرق بين التعجيل فِي ذلك، والتأجيل، فدل عَلَى أن المعتبر فِي ذلك وجود الشرط، فِي أصل العقد وعدمه، فإن تشارطا عَلَى ذلك فِي نفس العقد، فهو باطل، أو قبله، ثم وقع العقد بغير شرط، فهو صحيح، ولا يخفى الورع.

وَقَالَ بعضهم: ولا يضر إرادة الشراء، إذا كَانَ بغير شرط، وهو كمن أراد أن يزني بامرأة، ثم عدل عن ذلك، فخطبها، وتزوجها، فإنه عدل عن الحرام إلى الحلال، بكلمة الله التي أباحها، وكذلك البيع، والله أعلم. (ومنها): جواز اختيار طيب الطعام، وجواز الوكالة فِي البيع وغيره. (ومنها): أن البيوع الفاسدة كلّها تُفسخ، وتردّ، إذا لم تفت. (ومنها): ما قاله القرطبيّ أيضًا: إنه يدلّ عَلَى وجوب فسخ صفقة الربا، وأنها لا تصحّ بوجه، وهو حجةٌ للجمهور عَلَى أبي حنيفة حيث يقول: إن بيع الربا جائز بأصله، منْ حيث إنه بيع، ممنوع بوصفه، منْ حيث إنه ربا، فيُسقَطُ الربا، ويصح البيع. ولو كَانَ عَلَى ما ذكر لما فسخ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الصفقة، ولأمره برد الزيادة عَلَى الصاع، ولصحّح الصفقة فِي مقابلة الصاع انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): مما يتعلّق بهذا البحث الكلام عَلَى بيع العِينة:

صورة بيع العينة -كما قَالَ ابن الأثير رحمه الله تعالى فِي "النهاية" ٣/ ٣٣٤ - : أن يبيع منْ رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمّى، ثم يشتريها منه بأقلّ منْ الثمن الذي باعها، فإن اشترى بحضرة طالب العِينة سلعة منْ آخر بثمن معلوم، وقبضها، ثم باعها منْ طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراها إلى أجل مسمّى، ثم باعها المشتري منْ البائع