للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجز التصرف فيه قبل قبضه، كالذي ذكرنا، والأجرة، وبدل الصلح، إذا كانا منْ المكيل، أو الموزون، أو المعدود، وما لا ينفسخ العقد بهلاكه، جاز التصرف فيه قبل قبضه، كعوض الخلع، والعتق عَلَى مال، وبدل الصلح عن دم العمد، وأرش الجناية، وقيمة المتلف؛ لأن الْمُطْلِق للتصرف الملكُ، وَقَدْ وُجد، لكن ما يتوهم فيه غررُ الانفساخِ بهلاك المعقود عليه، لم يجز بناء عقد آخر عليه تحرزا منْ الغرر، وما لا يتوهم فيه ذلك الغرر انتفى المانع، فجاز العقد عليه، وهذا قول أبي حنيفة، والمهر كذلك عند القاضي، وهو قول أبي حنيفة؛ لأن العقد لا ينفسخ بهلاكه، وَقَالَ الشافعيّ: لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه، ووافقه أبو الخطاب فِي غير المتعين؛ لأنه يخشى رجوعه بانتقاض سببه بالردة قبل الدخول، أو انفساخه بسبب منْ جهة المرأة، أو نصفه بالطلاق، أو انفساخه بسبب منْ غير جهتها، وكذلك قَالَ الشافعيّ فِي عوض الخلع، وهذا التعليل باطل بما بعد القبض، فإن قبضه لا يمنع الرجوع فيه قبل الدخول.

وأما ما مُلك بإرث، أو وصية، أو غنيمة، وتعين ملكه فيه، فإنه يجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره قبل قبضه؛ لأنه غير مضمون بعقد معاوضة، فهو كالمبيع المقبوض، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم، وإن كَانَ لإنسان فِي يد غيره وديعة، أو عارية، أو مضاربة، أو جعله وكيلا فيه جاز له بيعه ممن هو فِي يده ومن غيره؛ لأنه عين مال مقدور عَلَى تسليمها, لا يخشى انفساخ الملك فيها، فجاز بيعها كالتي فِي يده، وإن كَانَ غصبا جاز بيعه ممن هو فِي يده؛ لأنه مقبوض معه فأشبه بيع العارية ممن هي فِي يده، وأما بيعه لغيره فإن كَانَ عاجزا عن استنقاذه، أو ظن أنه عاجز لم يصح شراؤه له؛ لأنه معجوز عن تسليمه إليه، فأشبه بيع الآبق والشارد، وإن ظن أنه قادر عَلَى استنقاذه ممن هو فِي يده صح البيع؛ لإمكان قبضه، فإن عجز عن استنقاذه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء؛ لأن العقد صح؛ لكونه مظنون القدرة عَلَى قبضه، ويثبت له الفسخ للعجز عن القبض، فأشبه ما لو باعه فرسا، فشردت قبل تسليمها، أو غائبا بالصفة، فعجز عن تسليمه. انتهى "المغني" ٦/ ١٩١ - ١٩٢. وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): فِي أقوال أهل العلم فِي تفسير القبض:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: وقبض كل شيء بحسبه، فإن كَانَ مكيلا أو موزونا، بيع كيلا أو وزنا، فقبضه بكيله ووزنه، وبهذا قَالَ الشافعيّ. وَقَالَ أبو حنيفة: التخليةُ فِي ذلك قبض، وَقَدْ رَوى أبو الخطاب، عن أحمد رواية أخرى: أن القبض فِي كل شيء بالتخلية مع التمييز؛ لأنه خَلَّى بينه وبين المبيع منْ غير حائل، فكان قبضا له كالعقار.