للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المدينة أنّي منْ أطيبهم ثمرةً، وأنه لا حاجة لنا، فبم منعت هديّتنا؟ ثم أهدى إليه بعد ذلك، فقبل. فكان ردّ عمر لَمّا توهّم أن تكون هديّته بسبب القرض، فلما تيقّن أنها ليست بسبب القرض قبلها، وهذا فصل النزاع فِي مسألة هديّة المقترض.

وَقَالَ زرّ بن حُبيش: قلت لأبيّ بن كعب: إني أريد أن أسير إلى أرض الجهاد، إلى العراق، فَقَالَ: إنك تأتي أرضًا فاش بها الربا، فإن أقرضت رجلاً قرضًا، فأتاك بقرضك ليؤدّي إليك قرضك، ومعه هديّة، فاقبض قرضك، واردد عليه هديّته. ذكرهنّ الأثرم.

وفي "صحيح البخاريّ" (١) عن أبي بردة بن أبي موسى، قَالَ: قدمت المدينة، فلقيت عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، فذكر الْحَدِيث، وفيه: ثم قَالَ لي: إنك بأرض فيها الربا فاش، فإذا كَانَ لك عَلَى رجل دينٌ، فأهدى إليك حمل تِبْن، أو حِمل قَتّ، أو حمل شعير، فلا تأخذه، فإنه ربا. قَالَ ابن أبي موسى: ولو أقرضه قرضًا، ثم استعمله عملاً، لم يكن يستعمله مثله قبل القرض، كَانَ قرضًا جرّ منفعة، قَالَ: ولو استضاف غريمه، ولم تكن العادة جرت بينهما بذلك حسب له ما أكله. واحتجّ له صاحب "المغني" بما روى ابن ماجه فِي "سننه" عن أنس -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقرض أحدكم قرضًا، فأَهدى إليه، أو حمله عَلَى دابته، فلا يركبها, ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك" (٢).

واختلفت الروايات عن أحمد فيما لو أقرضه دراهم، وشرط عليه أن يوفيه إياها ببلد آخر، ولا مؤنة لحملها، فروي عنه أنه لا يجوز، وكرهه الحسن، وجماعة، ومالكٌ، والأوزاعيّ، والشافعيّ. وروي عنه الجواز، نقله ابن المنذر؛ لأنه مصلحة لهما، فلم ينفرد المقترض بالمنفعة، وحكاه عن عليّ، وابن عباس، والحسن بن عليّ، وابن الزبير، وابن سيرين، وعبد الرحمن بن الأسود، وأيوب، والثوريّ، وإسحاق، واختاره القاضي.

ونظير هَذَا ما لو أفلس غريمه، فأقرضه دراهم يوفيه كلّ شهر شيئًا معلومًا منْ ربحها جاز؛ لأن المقترض لم ينفرد بالمنفعة. ونظيره ما لو كَانَ عليه حنطةٌ، فأقرضه دراهم يشتري بها حنطة، ويوفيه إياها. ونظير ذلك أيضًا إذا أقرض فلّاحه ما يشتري به بقرًا يعمل بها فِي أرضه، أو بذرًا يبذره فيها. ومنعه ابن أبي موسى، والصحيح جوازه، وهو اختيار صاحب "المغني"، وذلك لأن المستقرض إنما يقصد نفع نفسه، ويحصل انتفاع


(١) رواه البخاريّ فِي "كتاب المناقب" رقم ٣٨١٤ "باب مناقب عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-".
(٢) رواه ابن ماجه رقم ٢٤٣٢ وهو ضعيف فِي إسناده إسماعيل بن عياش رواه عن عتبة بن حميد الضبيّ، وهو بصريّ، وَقَدْ ضعفه أحمد، وشيخه يحيى بن أبي إسحاق مجهول.