للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والاستظهار، ولهذا لم يكن معها يمين. وهذا القول باطلٌ، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما أمضى البيع بشهادة خزيمة، وجعلها بمنزلة شاهدين؛ لأن شهادة خزيمة عَلَى البيع، ولم يره، استندت إلى أمر هو أقوى منْ الرؤية، وهو تصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالبراهين الدّالّة عَلَى صدقه، وأن كلّ ما يُخبر به حقّ، وصدقٌ قطعًا، فلما كَانَ منْ المستقرّ عنده أنه الصادق فِي خبره، البارّ فِي كلامه، وأنه يستحيل عليه غير ذلك البتّة، كَانَ هَذَا منْ أقوى التحمّلات، فجزم بأنه بايعه، كما يجزم لو رآه، وسمعه، بل هذه الشهادة مستندة إلى محض الإيمان, وهي منْ لوازمه، ومقتضاه، ويجب عَلَى كلّ مسلم أن يشهد بما شهد به خزيمة، فلما تميّزت عن شهادة الرؤية والحسّ التي يشترك فيها العدول وغيره، أقامها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مقام شهادة رجلين. انتهى "تهذيب السنن" ٥/ ٢٢٣ - ٢٢٤.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله ابن القيّم رحمه الله تعالى هو عين التحقيق، وحاصله أن شهادة خزيمة -رضي الله عنه- شهادة حقيقيّة، أقامها الشارع مقام شهادة رجلين، لتوفّر شروطها عَلَى الوجه الأكمل، فليس حكمه -صلى الله عليه وسلم- بثبوت هَذَا البيع لمجرّد علمه، بل لوجود الشهادة المعتبرة التي طلبها منه خصمه اللدود. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث عم عمارة بن خزيمة -رضي الله عنه- هَذَا صحيح.

(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

أخرجه هنا -٨١/ ٤٦٤٩ - وفي "الكبرى" ٨٢/ ٦٢٤٣. وأخرجه (د) فِي "الأقضية" ٢٦٠٧. والله تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان التسهيل فِي ترك الشهادة عَلَى البيع التي أمر الله تعالى بها فِي كتابه العزيز بقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} الآية, [البقرة: ٢٨٢] فإنه أمر بالإشهاد، والأمر يقتضي الوجوب، فأراد المصنّف رحمه الله تعالى أن هَذَا الْحَدِيث يصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب، حيث إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اشترى منْ هَذَا الأعرابيّ الفرس بغير إشهاد، ولذلك طالبه أن يُشهد عَلَى البيع، حيث تأكّد أنه لم يُشهد عليه، إلا أن خزيمة -رضي الله عنه- بادر بنصره، وتعزيره؛ أداءا لما أوجب الله تعالى عليه، بقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: ٨، ٩]، وَقَالَ سبحانه