للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جعل لتوثيق الدين طرقا: منها الكتاب، ومنها الرهن، ومنها الإشهاد، ولا خلاف بين علماء الأمصار، أن الرهن مشروع، بطريق الندب، لا بطريق الوجوب، فيُعلم منْ ذلك مثله فِي الإشهاد، وما زال النَّاس يتبايعون حضرا وسفرا، وبرا وبحرا، وسهلا وجبلا، منْ غير إشهاد، مع علم النَّاس بذلك، منْ غير نكير، ولو وجب الإشهاد، ما تركوا النكير عَلَى تاركه.

قَالَ القرطبيّ: هَذَا كله استدلال حسن، وأحسن منه ما جاء منْ صريح السنة، فِي ترك الإستشهاد، وهو ما خرّجه الدارقطنيّ (١)، عن طارق بن عبد الله المحاربي، قَالَ: أقبلنا فِي ركب منْ الرَّبَذَة، وجنوب الربذة، حَتَّى نزلنا قريبا منْ المدينة، ومعنا ظعينة لنا، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان، فسلم، فرددنا عليه، فَقَالَ منْ أين أقبل القوم؟ فقلنا: منْ الربذة، وجنوب الربذة، قَالَ: ومعنا جمل أحمر، فَقَالَ تبيعوني جملكم هَذَا؟ فقلنا: نعم، قَالَ بكم؟ قلنا بكذا وكذا صاعا منْ تمر، قَالَ: فما


(١) ونصّ الدارقطنيّ رحمه الله تعالى فِي "كتاب البيوع" منْ "سننه" ٣/ ٤٤ - ٤٥: ١٨٦ - حدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل، نا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطّان، نا ابن نمير، عن يزيد ابن زياد بن أبي الجعد، نا أبو صخرة، جامع بن شداد، عن طارق بن عبد الله المحاربي، قَالَ: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرتين: مرة بسوق ذي المجاز، وأنا فِي تباعة لي -هكذا قَالَ- أبيعها، فمر وعليه حلة حمراء، وهو ينادي بأعلى صوته: "يا أيها النَّاس، قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا"، ورجل يتبعه بالحجارة، وَقَدْ أدمى كعبيه، وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها النَّاس لا تطيعوه، فإنه كذاب، قلت: منْ هَذَا؟ فقالوا: هَذَا غلام بني عبد المطلب، قلت: منْ هَذَا الذي يتبعه يرميه؟ قالوا: هَذَا عمه عبد العزى، وهو أبو لهب، فلما ظهر الإِسلام، وقدم المدينة، أقبلنا فِي ركب منْ الربذة، وجنوب الربذة، حَتَّى نزلنا قريبا منْ المدينة، ومعنا ظعينة لنا، قَالَ فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان، فسلم، فرددنا عليه، فَقَالَ: "منْ أين أقبل القوم؟ " قلنا: منْ الربذة، وجنوب الربذة، قَالَ: ومعنا جمل أحمر، قَالَ: تبيعوني جملكم، قلنا: نعم، قَالَ: "بكم؟ " قلنا: بكذا وكذا صاعا منْ تمر، قَالَ: فما استوضعنا شيئا، وَقَالَ: "قد أخذته"، ثم أخذ برأس الجمل، حَتَّى دخل المدينة، فتوارى عنا، فتلاومنا بيننا، وقلنا: أعطيتم جملكم منْ لا تعرفونه، فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فقد رأيت وجه رجل، ما كَانَ ليحقركم، ما رأيت وجه رجل، أشبه بالقمر ليلة البدر منْ وجهه، فلما كَانَ العشاء، أتانا رجل، فَقَالَ: السلام عليكم، أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكم، وأنه أمركم أن تأكلوا منْ هَذَا حَتَّى تشبعوا، وتكتالوا حَتَّى تستوفوا، قَالَ: فأكلنا حَتَّى شبعنا، واكتلنا حَتَّى استوفينا، فلما كَانَ منْ الغد، دخلنا المدينة، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قائم عَلَى المنبر، يخطب النَّاس، وهو يقول: "يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، وأدناك أدناك"، فقام رجل منْ الأنصار، فَقَالَ: يا رسول الله، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، الذين قتلوا فلانا فِي الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع يديه حَتَّى رأينا بياض إبطيه، فَقَالَ: "ألا لا يجني والد عَلَى ولده". انتهى. ورجال هَذَا الإسناد كلهم ثقات، كما قَالَ صاحب "التعليق المغني عَلَى الدارقطنيّ" ٣/ ٤٤.