للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قبل أن يؤدّي ثمنها, ولا وفاء عنده، وكانت السلعة باقيةً بحالها، فَقَالَ الشافعيّ، وطائفة: بائعها بالخيار, إن شاء تركها, وضارب مع الغرماء بثمنها، وإن شاء رجع فيها بعينها فِي صورة الإفلاس، والموت.

وَقَالَ أبو حنيفة: لا يجوز له الرجوع فيها، بل تتعيّن المضاربة. وَقَالَ مالك: يرجع فِي صورة الإفلاس، ويُضارب فِي الموت.

واحتجّ الشافعيّ بهذه الأحاديث مع حديثه فِي الموت فِي "سنن أبي داود"، وغيره، وتأوّلها أبو حنيفة تأويلات مردودة، وتعلّق بشيء يُروَى عن عليّ، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما, وليس بثابت عنهما. انتهى "شرح مسلم" ١٠/ ٤٦٦.

وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: وَقَدْ اختلف العلماء فِي مُشتري السلعة إذا أفلس، أو مات، ولا وفاء عنده بثمنها، ووُجِدت، فَقَالَ الشافعيّ: صاحبها أحقّ بها فِي الفَلَس (١)، والموت. وَقَالَ أبو حنيفة: صاحبها أسوة الغرماء فيها. وَقَالَ مالك: هو أحقّ بها فِي الْفَلَس، دون الموت. وسبب الخلاف معارضة الأصل الكلّيّ للأحاديث، وذلك أن الأصل أن الدين فِي ذمّة المفلس، والميت، وما بأيديهما محلٌّ للوفاء، فيشترك جميع الغرماء فيه بقدر رؤوس أموالهم، ولا فرق فِي هَذَا منْ أن تكون أعيان السِّلَع موجودةً، أو لا، إذ قد خرجت عن ملك بائعها، ووجبت أثمانها لهم فِي الذمّة بالإجماع، فلا يكون لهم إلا أثمانها، إن وُجدت، أو ما وُجد منها، فتمسّك أبو حنيفة بهذا، وردّ الأخبار بناءً عَلَى أصله فِي ردّ أخبار الآحاد عند معارضة القياس.

وأما الشافعيّ، ومالكٌ، فتمسّكا بالأخبار الواردة فِي الباب، وخصّصا بها تلك القاعدة، غير أن الشافعيّ تمسّك فِي التسوية بين الموت، والْفَلَس، بما رواه أبو داود منْ حديث أبي المعتمر، عن عمر بن خَلْدَةَ، قَالَ: أتينا أبا هريرة -رضي الله عنه- فِي صاحب لنا، قد أفلس، فَقَالَ: لأقضينّ فيكم بقضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ أفلس، أو مات، فوَجَد رجلٌ متاعه بعينه، فهو أحقّ به" (٢)، وبإلحاق الموت بالفلس؛ لأنه فِي معناه، ولم ينقدح بينهما فرقٌ مؤثّرٌ عنده. وأما مالكٌ، فإنه فرّق بينهما، لما رواه عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أيّما رجل باع متاعًا، فأفلس الذي ابتاعه، ولم يَقبِض منْ ثمنه شيئًا، فوجده بعينه، فهو أحقّ به، فإن مات الذي ابتاعه، فصاحب المتاع أسوة الغرماء". وهذا مرسلٌ صحيحٌ، وَقَدْ أسنده أبو داود منْ حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وهو طريقٌ صحيح، وفيه زيادة


(١) "الفلس" محرّكة: عدم النيل. اهـ "قاموس".
(٢) حديث ضعيف؛ لأن فِي سنده أبا المعتمر، وهو مجهول الحال.