للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تصح؛ لأنه التزام مال، فلم يصح مجهولا، كالثمن فِي المبيع.

واحتجّ الأولون بقول الله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢]، وحمل البعير غير معلوم؛ لأن حمل البعير يختلف باختلافه، وبعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الزعيم غارم"، وهو حديث صحيح، ولأنه التزام حق فِي الذمة، منْ غير معاوضة، فصح فِي المجهول كالنذر، والإقرار، ولأنه يصح تعليقه بضرر وخطر، وهو ضمان العهدة. أفاده فِي "المغني" ٧/ ٧٢ - ٧٣.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الأولون، منْ جواز الكفالة بالمجهول هو الأرجح عندي؛ لوضوح أدلّته، كما سبق. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): فِي اختلاف أهل العلم فِي جواز الكفالة عن الميت:

ذهب الجمهور إلى أنه يصحّ الضمان عن كل منْ وجب عليه حق، حيًّا كَانَ أو ميتا، مليئا أو مفلسا؛ لعموم النصّ، وَقَالَ أبو حنيفة: لا يصح ضمان دين الميت، إلا أن يَخلُف وفاء، فإن خلف بعض الوفاء صح ضمانه بقدر ما خلف؛ لأنه دين ساقط، فلم يصح ضمانه، كما لو سقط بالإبراء، ولأن ذمته قد خرجت خرابا، لا تُعمّر بعده، فلم يبق فيها دين، والضمان ضم ذمة إلى ذمة فِي التزامه.

واحتجّ الأولون بحديث أبي قتادة -رضي الله عنه-، المذكور فِي الباب، فإنه نصّ فِي المسألة، فإنه -رضي الله عنه- إنما ضمن دين ميت لم يخلف وفاء، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حضهم عَلَى ضمانه، فضمن أبو قتادة -رضي الله عنه-.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الجمهور منْ صحّة الكفالة عن الميت هو الحقّ؛ لوضوح دليله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فيمن يصح ضمانه ومن لا يصح:

قَالَ فِي "المغني": يصحّ ضمان كل جائز التصرف فِي ماله، سواء كَانَ رجلا أو امرأة؛ لأنه عقد يُقصد به المال، فصح منْ المرأة كالمبيع، ولا يصح منْ المجنون، ولا منْ صبي غير مميز، بغير خلاف؛ لأنه إيجاب مال بعقد، فلم يصح منهم، كالنذر، ولا يصح فِي السفيه المحجور عليه، ذكره أبو الخطاب، وهو قول الشافعيّ، وَقَالَ القاضي: يصح، ويتبع بعد فك الحجر عنه؛ لأن منْ أصلنا إن إقراره صحيح، يُتَّبع به منْ بعد فك الحجر عنه، فكذلك ضمانه، والأول أولى؛ لأنه إيجاب مال بعقد، فلم يصح منه، كالبيع والشراء، ولا يشبه الإقرار, لأنه إخبار بحق سابق. وأما الصبي المميز فلا يصح ضمانه فِي الصحيح منْ الوجهين، وهو قول الشافعيّ، وخرجه أصحابنا عَلَى