للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: لكن الْحَدِيث فيه انقطاع، إلا أن بعض أهل العلم كالترمذيّ، يصحّح، أو يُحسّن رواية أبي عبيدة، عن أبيه، والظاهر لكون الواسطة بينه وبين أبيه ثقات، كالأسود، وعلقمة، وعَبيدة السلمانيّ، ونحوهم، قَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله فِي "شرح علل الترمذيّ": قَالَ ابن المديني فِي حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: هو منقطع، وهو حديث ثبت. وَقَالَ يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه فِي المسند -يعني فِي الْحَدِيث المتصل- لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر. انتهى (١). والظاهر أن الإِمام أحمد رحمه الله ممن يرى صحة هَذَا السند؛ ولذا احتجّ بهذا الْحَدِيث عَلَى صحّة شركة الأبدان، والله تعالى أعلم.

[فإن قيل]: فالمغانم مشتركة بين الغانمين، بحكم الله تعالى، فكيف يصح اختصاص هؤلاء بالشركة فيها؟، وَقَالَ بعض الشافعيّة: غنائم بدر كانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان له أن يدفعها إلى منْ شاء، فَيَحتَمِل أن يكون فعل ذلك لهذا؟.

[قلنا]: أما الأول، فالجواب عنه أن غنائم بدر، كانت لمن أخذها منْ قبل أن يُشرّك الله تعالى بينهم، ولهذا نقل أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "منْ أخذ شيئا فهو له" (٢)، فكان ذلك منْ قبيل المباحات، منْ سبق إلى أخذ شيء فهو له، ويجوز أن يكون شرك بينهم فيما يصيبونه منْ الأَسلاب والنَّفَل، إلا أن الأول أصح؛ لقوله: جاء سعد بأسيرين، ولم أجىء أنا، وعمار بشيء.

وأما الثاني: فإن الله تعالى إنما جعل الغنيمة لنبيه عليه السلام، بعد أن غنموا، واختلفوا فِي الغنائم، فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [الأنفال: ١]، والشركة كانت قبل ذلك، ويدل عَلَى صحة هَذَا، أنها لو كانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم يخل إما أن يكون قد أباح لهم أخذها، فصارت كالمباحات، أو لم يبحها لهم، فكيف يشتركون فِي شيء لغيرهم؟، وفي هَذَا الخبر حجة عَلَى أبي حنيفة أيضًا, لأنهم اشتركوا فِي مباح، وفيما ليس بصناعة، وهو يمنع ذلك، ولأن العمل أحد جهتي المضاربة، فصحت الشركة عليه كالمال، وعلى أبي حنيفة (٣) أنهما اشتركا فِي مكسب مباح فصح، كما لو اشتركا فِي الخياطة، والقصارة، ولا نسلم أن الوكالة لا تصح فِي المباحات، فإنه يصح أن يستنيب فِي تحصيلها بأجرة، فكذلك يصح بغير عوض، إذا تبرع أحدهما بذلك، كالتوكيل فِي بيع ماله. انتهى "المغني" ٧/ ١١١ - ١١٢. والله تعالى أعلم بالصواب.


(١) "شرح علل الترمذيّ" ص ١٨٢ تحقيق صبحي السامرّائي.
(٢) انظر "السيرة النبويّة لابن هشام" ١/ ٦٤١ - ٦٤٢، ويحتاج إلى البحث عن إسناده، فليُحرّر.
(٣) هكذا نسخة "المغني"، وفيها ركاكة، فليحرّر.