للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي القصاص فِي سائر عظام الجسد:

قَالَ ابن بطّال رحمه الله تعالى: أجمع العلماء عَلَى أن هذه الآية- يعني قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} الآية [المائدة: ٤٥] فِي العمد، فمن أصاب سنّ أحد عمدًا، ففيه القصاص عَلَى حديث أنس -رضي الله عنه-، واختلف العلماء فِي سائر عظام الجسد إذا كسرت عمدًا، فَقَالَ مالك: عظام الجسد كلّها فيها القود، إذا كُسرت عمدًا: الذراعان، والعضدان، والساقان، والقدمان، والكعبان، والأصابع إلا ما كَانَ مجوّفًا، مثل الفخذ، وشبهه، كالمأمومة، والمنقّلة، والهاشمة، والصلب، ففي ذلك الدية.

وَقَالَ الكوفيّون: لا قصاص فِي عظم يُكسر إلا السنّ؛ لقوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} الآية [المائدة: ٤٥]، وهو قول الليث، والشافعيّ. واحتجّ الشافعيّ، فَقَالَ: إن دون العظم حائلاً منْ جلد، ولحم، وعَصَب، فلو استيقنّا أنا نكسر عظمة كما كسر عظمة، لا يزيد، ولا ينقص فعلناه، ولكنا لا نصل إلى العظم حَتَّى ننال منه ما دونه، مما ذكرنا أنا لا نعرف قدره، مما أقلّ، أو أكثر مما نال غيره، وأيضًا فإنا لا نقدر أن يكون كسر ككسر أبدًا، فهو ممنوع. وَقَالَ الطحاويّ: اتفقوا عَلَى أنه لا قصاص فِي عظم الرأس، فكذلك سائر العظام.

والحجة لمالك حديث أنس -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي سنّ الربيّع: "كتاب الله القصاص"، فلمّا جاز القصاص فِي السنّ إذا كُسرت، وهي عظم، فكذلك سائر العظام، إلا عظمًا أجمعوا أنه لا قصاص فيه؛ لخوف ذهاب النفس منه، وأنه لا يقدر عَلَى الوصول فيه إلى مثل الجناية بالسواء، فلا يجوز أن يُفعل ما يؤدّي فِي الأغلب إلى التلف، إذا كَانَ الجارح الأول لم يؤد فعله إلى التلف.

وَقَالَ ابن المنذر: ومن قَالَ: لا قصاص فِي عظم، فهو مخالفٌ للحديث، والخروج إلى النظر غير جائز مع وجود الخبر. انتهى "شرح صحيح البخاريّ" لابن بطال ٨/ ٥٢٢ - ٥٢٣.

وَقَالَ فِي "الفتح": اختلفوا فِي سائر عظام الجسد، فَقَالَ مالك: فيها القود، إلا ما كَانَ مجوفا، أو كَانَ كالمأمومة، والمنقلة، والهاشمة، ففيها الدية، واحتج بالآية، ووجه الدلالة منها أن شرع منْ قبلنا شرع لنا، إذا ورد عَلَى لسان نبينا -صلى الله عليه وسلم- بغير إنكار، وَقَدْ دل قوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} عَلَى إجراء القصاص فِي العظم؛ لأن السن عظم، إلا ما أجمعوا عَلَى أن لا قصاص فيه، إما لخوف ذهاب النفس، وإما لعدم الاقتدار عَلَى المماثلة فيه. وَقَالَ الشافعيّ، والليث، والحنفية: لا قصاص فِي العظم، غير السن؛ لأن دون العظم حائلا منْ جلد، ولحم، وعصب، يتعذر معه المماثلة، فلو أمكنت