للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منهم عبد قَتلوا به حرا، أو امرأةٌ قتلوا بها رجلا، أخرجه الطبري عن الشعبي. وَقَدْ تقدّم حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما فِي قصّة قريظة والنضير مطوّلاً فِي ٧/ ٤٧٣٤، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي معنى القصاص:

قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: صورة القصاص، هو أن القاتل فَرْضٌ عليه، إذا أراد الولي القتل الإستسلام لأمر الله، والإنقياد لقصاصه المشروع، وأن الولي فَرْضٌ عليه الوقوف عند قاتل وليه، وترك التعدي عَلَى غيره، كما كانت العرب تتعدى، فتقتل غير القاتل، وهو معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن منْ أعتى النَّاس عَلَى الله يوم القيامة ثلاثة: رجل قتل غير قاتله، ورجل قتل فِي الحرم، ورجل أخذ بذُحُول (١) الجاهلية" (٢).

قَالَ الشعبي، وقتادة، وغيرهما: إن أهل الجاهلية كَانَ فيهم بغي، وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كَانَ فيه عِزٌّ، ومَنَعَةٌ، فقُتل لهم عبد، قتله عبد قوم آخرين، قالوا: لا نقتل به إلا حرا، وإذا قُتلت منهم امرأة، قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، وإذا قُتل لهم وضيع، قالوا: لا نقتل به إلا شريفا، ويقولون: "القتل أوفى للقتل"، بالواو والفاء، ويروى: "أبقى" بالباء والقاف، ويروى "أنفى" بالنون والفاء، فنهاهم الله عن البغي، فَقَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} الآية [البقرة: ١٧٨]، وَقَالَ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} الآية [البقرة: ١٧٩]، وبين الكلامين فِي الفصاحة والجزل بَوْنٌ عظيم. "الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ٢٤٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي قتل الجماعة بالواحد:

ذهب الجمهور إلى أن الجماعة إذا قتلوا واحدا، فعلى كل واحد منهم القصاص، إذا كَانَ كل واحد منهم لو انفرد بفعله وجب عليه القصاص، رُوي ذلك عن عمر، وعلي، والمغيرة بن شعبة، وابن عباس، وبه قَالَ سعيد بن المسيب، والحسن، وأبو سلمة، وعطاء، وقتادة، وهو مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.

وذهبت طائفة إلى أنهم لا يقتلون به، بل تجب عليهم الدية، وهذا قول ابن الزبير،


(١) الذُحول بالضمّ جمع ذَحْ بفتح، فسكون: قيل: هو العداوة والحقد. وقيل: الثأر، وطلب المكافأة بجناية جُنيت عليه منْ قتل، أو جرح، ونحو ذلك.
(٢) أخرجه أحمد فِي "مسنده"، وفي سنده مسلم بن يزيد الحجازيّ، وثقه ابن حبّان، وَقَالَ عنه فِي "التقريب": مقبول.