للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وشرح ذلك أن الدية لو كانت ربع دينار، لكثرت الجنايات عَلَى الأيدي، ولو كَانَ نصاب القطع خمسمائة دينار، لكثرت الجنايات عَلَى الأموال، فظهرت الحكمة فِي الجانبين، وكان فِي ذلك صيانة منْ الطرفين.

وَقَدْ عسر فهم المعنى المقدم ذكره فِي الفرق بين السرقة، وبين النهب ونحوه، عَلَى بعض منكري القياس، فَقَالَ: القطع فِي السرقة دون الغصب وغيره، غير معقول المعنى، فإن الغصب أكثر هتكا للحرمة منْ السرقة، فدل عَلَى عدم اعتبار القياس، لأنه إذا لم يعمل به فِي الأعلى، فلا يعمل به فِي المساوي.

وجوابه أن الأدلة عَلَى العمل بالقياس أشهر منْ أن يُتَكلَّف لإيرادها. انتهى "فتح" ١٤/ ٥١ - ٥٢.

وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: قَالَ القاضي عياضٌ رحمه الله تعالى: صان الله تعالى الأموال بإيجاب القطع عَلَى السارق، ولم يجعل ذلك فِي غير السرقة، كلاختلاس، والانتهاب، والغصب؛ لأن ذلك قليلٌ بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هَذَا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور، وتسهُل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة، فإنه تندر إقامة البينة عليها، فعظم أمرها، واشتدّت عقوبتها؛ ليكون أبلغ فِي الزجر عنها. وَقَدْ أجمع المسلمون عَلَى قطع السارق فِي الجملة، وإن اختلفوا فِي فروع منه. انتهى "شرح مسلم" ١٢/ ١٨١.

وَقَالَ الموّفقٌ رحمه الله تعالى: الأصل فِي القطع فِي السرقة: الكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب: فقول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]، وأما السنة: فرَوت عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "تقطع اليد فِي ربع دينار فصاعدا"، وَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنما هلك منْ كَانَ قبلكم بأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه"، متَّفقٌ عليهما، فِي أخبار سوى هذين، نذكرها إن شاء الله فِي مواضعها. وأجمع المسلمون عَلَى وجوب قطع السارق فِي الجملة. انتهى "المغني" ١٢/ ٤١٥.

(اعلم): أنه لا يجب القطع -كما قَالَ الموفّق- إلا بشروط سبعة: [أحدها]: السرقة، ومعنى السرقة أخذ المال، عَلَى وجه الخفية والاستتار، ومنه استراق السمع، ومسارقة النظر، إذا كَانَ يستخفي بذلك، فإن اختطف، أو اختلس، لم يكن سارقا، ولا قطع عليه، عند أحد علمناه، غير إياس بن معاوية، قَالَ: أقطع المختلس؛ لأنه يستخفي بأخذه، فيكون سارقا، وأهل الفقه والفتوى منْ علماء الأمصار عَلَى خلافه، وَقَدْ رُوي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "ليس عَلَى الخائن، ولا المختلس قطع"، وعن جابر -رضي الله عنه-