للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحبسه، ففعل، وهذا قول النخعي، والشعبي، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة. وفيه قول خامس، قاله عطاء: لا يقطع شيء منْ الرجلين أصلاً، عَلَى ظاهر الآية، وهو قول الظاهرية، قَالَ ابن عبد البرّ: حديث القتل فِي الخامسة منكر، وَقَدْ ثبت: "لا يحل دم امرىء مسلم، إلا بإحدى ثلاث"، وثبت: "السرقة فاحشة، وفيها عقوبة"، وثبت عن الصحابة قطع الرجل بعد اليد، وهم يقرءون: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية [المائدة: ٣٨]، كما اتفقوا عَلَى الجزاء فِي الصيد، وإن قتل خطأ، وهم يقرءون: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الآية [المائدة: ٩٥]، ويمسحون عَلَى الخفين، وهم يقرءون غسل الرجلين، وإنما قالوا جميع ذلك بالسنة. انتهى "فتح" ١٤/ ٥٣ - ٥٤.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد اتّضح بما ذُكر أن الأرجح قول الجمهور منْ قطع الأرجل بعد الأيد؛ لقوّة حجته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي قتل السارق فِي المرّة الخامسة:

قَالَ الخطّابيّ رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث فِي بعض إسناده مقال، وَقَدْ عارض الْحَدِيث الصحيح، وهو أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لا يحلّ دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس"، والسارق ليس بواحد منْ الثلاثة، فالوقوف عن دمه واجبٌ، ولا أعلم أحدا منْ الفقهاء، يبيح دم السارق، وإن تكررت منه السرقة مرّة بعد أخرى، وَقَدْ يُخَرَّج عَلَى مذاهب بعض الفقهاء أن يباح دمه، وهو أن يكون هَذَا منْ المفسدين فِي الأرض، فإن للإمام أن يجتهد فِي تعزير المفسدين، ويبلغ به ما رأى منْ العقوبة، وإن زاد عَلَى مقدار الحد، وإن رأى القتلَ قتل، ويعزى هَذَا الرأي إلى مالك بن أنس، وهذا الْحَدِيث -إن كَانَ له أصل- فهو يؤيّد هَذَا الرأي، وَقَدْ يدلّ عَلَى ذلك منْ نفس الْحَدِيث أنه -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بقتله لَمّا جيء به أول مرّة، ثم كذلك فِي الثانية، والثالثة، والرابعة إلى أن قُتل فِي الخامسة، فقد يحتمل أن يكون هَذَا رجلاً مشهورًا بالفساد، مخبورًا معلومًا منْ أمره أنه سيعود إلى سوء فعله، ولا ينتهي عنه حَتَّى ينتهي خبره. انتهى "معالم السنن" ٦/ ٢٣٦ - ٢٣٧.

وَقَالَ المنذريّ: قَالَ الشافعيّ: والقتل منسوخ بهذا الْحَدِيث، وغيره، وهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد منْ اْهل العلم علمته، يريد حديث قبيصة بن ذؤيب، وفيه: "ووضع القتل، فكانت رخصة"، وَقَالَ الشافعيّ أيضًا فِي موضع آخر: ثم حُفظ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جلد الشارب العدد الذي قَالَ: يقتل بعده، ثم جيء به، فجلده، ورفع القتل، وصارت رخصة. وَقَالَ بعضهم: يحتمل أن يكون ما فعله، إن صح الْحَدِيث، فإنما