للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"خزايا" جمع خزيان، وهو الذي أصابه خزي، والمعنى أنهم أسلموا طوعا، منْ غير حرب، أو سبي يخزيهم، ويفضحهم.

وقوله: "ولا ندامى": قَالَ الخطّابيّ: كَانَ أصله نادمين، جمع نادم؛ لأن ندامى إنما هو جمع ندمان: أي المنادم فِي اللَّهو، وَقَالَ الشاعر:

فَإِنْ كُنْتَ نَدْمَانِي فبِالأَكْبَرِ اسْقِنِي … وَلَا تَسْقِنِي بِالأَصْغَرِ الْمُتَثَلِّمِ

لكنه هنا خرج عَلَى الإتباع، كما قالوا: العشايا، والغدايا، وغداة جمعها الغدوات، لكنه أتبع انتهى. وَقَدْ حكى القزاز، والجوهريّ، وغيرهما، منْ أهل اللغة أنه يقال نادم وندمان فِي الندامة، بمعنى فعلى هَذَا، فهو عَلَى الأصل، ولا أتباع فيه. والله أعلم.

وسيأتي للمصنّف فِي "كتاب الأشربة" ٤٨/ ٥٦٩٤ - منْ طريق قرة، فَقَالَ: "مرحبا بالوفد، ليس الخزايا، ولا النادمين"، وهي للطبراني منْ طريق شعبة أيضًا.

قَالَ ابن أبي جمرة: بَشَّرهم بالخير عاجلا وآجلا؛ لأن الندامة إنما تكون فِي العاقبة، فإذا انتفت ثبت ضدها، وفيه دليل عَلَى جواز الثناء عَلَى الإنسان فِي وجهه، إذا أُمن عليه الفتنة.

(وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ) وفي رواية قرة المذكورة: "فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبين المشركين"، وفي قولهم: "يا رسول الله"، وقولهم: "المشركين" دليل عَلَى أنهم كانوا حين المقابلة مسلمين. (إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ) وللبخاريّ فِي رواية الأصيلي، وكريمة: "إلا فِي شهر الحرام"، وهي رواية مسلم، وَهي منْ إضافة الشيء إلى نفسه، كمسجد الجامع، ونساء المؤمنات، والمراد بالشهر الحرام الجنس، فيشمل الأربعة الحرم، ويؤيده رواية قرة الآتية فِي "الأشربة" بلفظ: "إلا فِي أشهر الحرم"، وفي رواية حماد بن زيد عند البخاريّ فِي "المناقب" بلفظ: "إلا فِي كل شهر حرام"، وقيل: اللام للعهد، والمراد شهر رَجَب، وفي رواية للبيهقى التصريح به، وكانت مضر تبالغ فِي تعظيم شهر رَجَب، فلهذا أضيف إليهم فِي حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-، حيث قَالَ: "رَجَب مضر"، والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم، مع تحريمهم القتال فِي الأشهر الثلاثة الأخرى، إلا أنهم ربما أنسأوها بخلافه.

وفيه دليل عَلَى تقدّم إسلام عبد القيس عَلَى قبائل مضر، الذين كانوا بينهم وبين المدينة، وكانت مساكن عبد القيس بالبحرين، وما والاها منْ أطراف العراق، ولهذا قالوا -كما فِي رواية شعبة- عند البخاريّ فِي "العلم": "وإنا نأتيك منْ شُقَّة بعيدة". قَالَ ابن قتيبة: الشقة السفر، وَقَالَ الزجاج: هي الغاية التي تُقصد. ويدل عَلَى سبقهم إلى الإسلام أيضًا ما رواه البخاريّ فِي "الجمعة"، منْ طريق أبي جمرة أيضًا، عن ابن عباس