للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فصعُب عليه أن يترك قراءةً قرأها عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقرأ بما قرأه زيد، أو غيره، فتمسك بمصحفه، وقراءته، وخفي عليه الوجه الذي ظهر لجميع الصحابة -رضي الله عنهم- منْ المصلحة التي هي منْ أعظم ما حفظ الله بها القرآن عن الاختلاف المخلّ به، والتغيير بالزيادة والنقصان، قَالَ: وكان منْ أعظم الأمور عَلَى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن الصحابة -رضي الله عنهم- لَمّا عزموا عَلَى كتب المصحف بلغة قريش، عيّنوا لذلك أربعةً لم يكن منهم ابن مسعود، فكتبوه عَلَى لغة قريش، ولم يُعَرِّجوا عَلَى ابن مسعود، مع أنه أسبقهم لحفظ القرآن، ومن أعلمهم به، كما شهدوا له بذلك، غير أنه -رضي الله عنه- كَانَ هُذلَيًّا، وكانت قراءته عَلَى لغتهم، وبينها وبين لغة قريش تباينٌ عظيم، فلذلك لم يُدخلوه معهم. والله تعالى أعلم. انتهى "المفهم" ٥/ ٣٧٤.

(لَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً)، "البِضع" بالكسر، وبعض العرب يفتحه، منْ الثلاثة إلى التسعة، وعن ثعلب: منْ الأربعة إلى التسعة، يستوى فيه المذكّر والمؤنّث، فيقال: بضع رجال، وبضع نسوة، ويُستعمل أيضًا منْ ثلاثة عشر إلى تسعة عشر، لكن تثبت الهاء فِي "بضع" مع المذكّر، وتُحذف مع المؤنّث، كالنيّف، ولا يُستعمل فيما زاد عَلَى العشرين، وأجازه بعض المشايخ، فيقول: بضعة وعشرون رجلاً، وبضع وعشرون امرأةً، وهكذا قاله أبو زيد، وقالوا عَلَى هَذَا معنى البضع، والبضعة فِي العدد قطعة مبهمة، غير محدودة. قاله الفيّوميّ.

(وَإِنَّ زَيْدًا) يعني ابن ثابت -رضي الله عنه- الفرضيّ، كاتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكاتب المصحف العثمانيّ رضي الله تعالى عنهما (لَصَاحِبُ ذُؤَابَتَيْنِ) بذال معجمة، بعدها همزة: هي الشعر المضفور، منْ شعر الرأس. وقوله (يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ) جملة فِي محلّ نصب عَلَى الحال منْ "زيداً".

غرض ابن مسعود -رضي الله عنه- بهذا أنه أعلى منْ زيد الذي هو كاتب مصحف عثمان -رضي الله عنه- منزلةً فِي القراءة، وأقدم أخذاً منه، فليس عليه الرجوع إلى ما كتبه زيد -رضي الله عنه- مما عنده، وما نظر -رضي الله عنه- أن هَذَا المصحف مما اتّفق المسلمون عليه فِي المدينة، وهذا اجتهاد منه -رضي الله عنه-، لم يوافق عليه، كما سبق، فقد كَانَ جلّ الصحابة -رضي الله عنهم- عَلَى ما رآه عثمان -رضي الله عنه-. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- هَذَا متَّفقٌ عليه، منْ رواية الأعمش، عن أبي