للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولكن الخضاب مطلقا أولى؛ لأنه فيه امتثال الامر فِي مخالفة أهل الكتاب، وفيه صيانة للشعر عن تعلق الغبار وغيره به، إلا إن كَانَ منْ عادة أهل البلد ترك الصبغ، وأن الذي ينفرد بدونهم بذلك يصير فِي مقام الشهرة، فالترك فِي حقه أولى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: فالترك أولى، هَذَا الكلام فيه خطر؛ لأنه يؤدّي إلى ترك السنة، متعلّلاً بعدم عمل النَّاس بها، والواجب عَلَى المسلم إذا ترك النَّاس العمل بها إحياؤها، وأي كتاب نطق، وأيّ سنة أمرت بترك السنة؛ لأجل ترك النَّاس لها؛ خوفاً منْ الشهرة؟، إن هَذَا لهو العجب منْ مثل الحافظ المدافع عن السنة، والقائم بالذّبّ عنها أن يتكلّم به، أو ينقله منْ غيره، ويسكت عليه. والله المستعان.

قَالَ: ونقل الطبري بعد أن أورد حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رفعه، بلفظ: "منْ شاب شيبة، فهي له نور، إلى أن ينتفها، أو يخضبها (١) "، وحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يكره خصالا، فذكر منها تغيير الشيب، إذ بعضهم ذهب إلى أن هذه الكراهة تستحب (٢) بحديث الباب، ثم ذكر الجمع، وَقَالَ دعوى النسخ لا دليل عليها.

قَالَ الحافظ: وجنح إلى النسخ الطحاوي، وتمسك بالحديث الآتي قريبا، أنه كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب، فيما لم ينزل عليه، ثم صار يخالفهم، ويحث عَلَى مخالفتهم"، كما سيأتي تقريره فِي "باب الفرق"، إن شاء الله تعالى.

وحديث عمرو بن شعيب المشار إليه، أخرجه الترمذيّ، وحسنه، ولم أر فِي شيء منْ طرقه الاستثناء المذكور، فالله أعلم.

قَالَ ابن العربي: وإنما نُهي عن النتف، دون الخضب؛ لأن فيه تغيير الخلقة منْ أصلها، بخلاف الخضب، فإنه لا يغير الخلقة عَلَى الناظر إليه. والله أعلم.

وَقَدْ نقل عن أحمد أنه يجب، وعنه يجب ولو مرة، وعنه لا احب لأحد ترك الخضب، ويتشبه بأهل الكتاب، وفي السواد عنه كالشافعية روايتان: المشهورة يكره، وقيل: يحرم، ويتأكد المنع لمن دلس به. "فتح" ١١/ ٥٤٨.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما نُقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى منْ القول


(١) قوله: "أو يخضبها" هَذَا اللفظ لا يصحّ، بل الذي يصحّ النهي عن النتف فقط، ولفظ الْحَدِيث عند أبى داود: "عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنتفوا الشيب، ما منْ مسلم يشيب شيبة فِي الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة"، وفي لفظ: "إلا كتب الله له بها حسنة، وحطّ عنه بها خطيئة".
(٢) هكذا نسخة "الفتح" بلفظ "تستحبّ"، والظاهر أنه تصحيف منْ "تنسخ"، والله أعلم.