للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنس بعدها: "كَانَ يضرب شعره إلى منكبيه"، وللبخاريّ فِي حديث البراء: "له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه".

قَالَ فِي "الفتح": قَالَ ابن التين تبعًا للداوديّ: قوله: "يبلغ شحمة أذنيه" مغاير لقوله: "إلى منكبيه"، وأجيب بأن المراد أن معظم شعره كَانَ عند شحمة أذنه، وما استرسل منه متصلٌ إلى المنكب، أو يُحمل عَلَى حالتين. وَقَدْ وقع نظير ذلك فِي حديث أنس عند مسلم، منْ رواية قتادة عنه أن شعره كَانَ بين أذنيه وعاتقه، وفي حديث حُميد عنه: "إلى أنصاف أذنيه"، ومثله عند الترمذيّ منْ رواية ثابت عنه، وعند ابن سعد منْ رواية حمّاد عن ثابت، عنه: "لا يجاوز شعره أذنيه"، وهو محمول عَلَى تقدّم، أو عَلَى أحوال متغايرة.

وروى أبو داود منْ طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: "كَانَ شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوق الوفرة، ودون الْجُمّة"، وفي حديث هند بن أبي هالة فِي صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند الترمذيّ وغيره: "فلا يُجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفّره": أي جعله وَفْرَةً، فهذا القيد يؤيّد الجمع المتقدّم. وروى أبو داود، والترمذيّ منْ حديث أم هانىء، قالت: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وله أربع غدائر"، ورجاله ثقات. انتهى "فتح" ٧/ ٢٦٨.

(لَقَدْ رَأَيْتُهُ) أي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ) "الحلة" بالضم لا تكون إلا منْ ثوبين منْ جنس واحد، والجمع حُلَلٌ، مثلُ غُرْفة وغُرَف، وَقَالَ فِي "القاموس": الحلّة بالضمّ إزار ورداء: برد، أو غيره، ولا يكون حلّة إلا منْ ثوبين، أو ثوب له بِطانة. انتهى. وَقَالَ النوويّ: الحلّة هي ثوبان: إزار ورداء، قَالَ أهل اللغة: لا تكون إلا ثوبين، سُمّيت بذلك؛ لأن أحدهما يَحُلّ عَلَى الآخر، وقيل: لا تكون الحلّة إلا الثوب الجديد الذي يُحَلّ منْ طيّه. انتهى.

ووصف الحلّة بالحمرة يدلّ عَلَى جواز لبس الأحمر، وفيه اختلاف بين العلماء سيأتي فِي ٩٣/ ٥٣١٦ باب "لبس الْحُلَل"، إن شاء الله تعالى (مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ) أي منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه زانه الله تعالى خَلْقًا، وخُلُقاً، فكان أحسن النَّاس، وإلى ذلك يشير قول منْ قَالَ، وأحسن فِي المقال [منْ الوافر]:

خُلِقْتَ مُبّرّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ … كَأَنّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الْحَدِيث متّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم فِي ٩/ ٥٠٦٢ وتقدم تخريجه هناك، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.