للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذا كَانَ للحاضر فإنهما بمعنى "فِي"، فتقول: ما رأيته منذ، أو مذ يومنا: أي فِي يومنا، كما أنهما إذا كانا للماضي كانا بمعنى "منْ"، فتقول: ما رأيته منذ، أو مذ يومِ الجمعة، أي منْ يوم الجمعة، وإلى ذلك أشار ابن مالك رحمه الله تعالى فِي "الخلاصة" حيث قَالَ:

وَإِنْ يَجُرَّا فِي مُضِيٍّ فَكَـ"مِنْ" … هُمَا وَفِي الْحُضُورِ مَعْنَى "فِي" اسْتَبِنْ

(إِلَيْهِ نَظْرَةٌ) مبتدأ وخبرٌ: أي نظرة مني كائنة إليه تارة (وَإِلَيْكُمْ نَظْرَةٌ) أي ونظرة منّي كائنة إلكم تارة أخر (ثُمَّ أَلْقَاهُ) أي رمى ذلك الخاتم الذي شغله عن مهماته. ثم إنه يحتمل أن يكون هَذَا الخاتم هو الخاتم الذي اتّخذه منْ الذهب، فيكون قد جمع الوصفين، كونه شاغلاً له، وكونه محرماً لبسه، فرماه لهما معاً، ويحتمل أنه خاتم منْ فضّة، وإنما رماه لكونه شغله، لا لتحريمه، كما قَالَ فِي قصّة الخميصة التي ألهته عن صلاته، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، صلى فِي خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قَالَ: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي"، وفي لفظ: "كنت أنظر إلى علمها، وأنا فِي الصلاة، فأخاف أن تفتنني". متّفقٌ عليه، وَقَدْ سبق للمصنّف فِي "الصلاة" ٢٠/ ٧٧١.

فقد ردّ -صلى الله عليه وسلم- الخميصة، إلى منْ أهداها له، وليس تحريماً للبسها، وإنما ابتعاداً عن إلهائها فِي الصلاة، فيحتمل أن يكون ما هنا منْ قبيل ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما هَذَا صحيح، وَقَدْ تفرّد به المصنّف، فأخرجه هنا -٨١/ ٥٢٩١ - وفي "الكبرى" ٧٢/ ٩٥٤٣. وأخرجه (أحمد) فِي "مسند بني هاشم" ٢٩٥٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٥٢٩٢ - (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ يَلْبَسُهُ، فَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ النَّاسُ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ، وَقَالَ: "إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ"، فَرَمَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا"، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وَقَدْ تقدّموا غير مرّة. والسند منْ رباعيّات المصنّف، وهو (٢٥٠) منْ رباعيات الكتاب.

والحديث متَّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم فِي ٥٣/ ٥٢١٤، ومضى تمام البحث فيه هناك،