للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المفروضة أولى منْ إخفائها. قاله فِي "الفتح". وَقَالَ القرطبيّ: هذه صدقة التطوّع فِي قول ابن عبّاس، وأكثر العلماء، وهو حضّ عَلَى الإخلاص فِي الأعمال، والتستّر بها، ويستوي فِي ذلك جميع أعمال البرّ التطوّعيّة، فأما الفرائض، فالأولى إشاعتها، وإظهارها؛ لتنحفظ قواعد الدين، ويجتمع النَّاس عَلَى العمل بها، فلا يضيع منها شيء، ويظهر بإظهارها جمال دين الإِسلام، وتُعْلَم حدوده، وأحكامه، والإخلاص واجبٌ فِي جميع القُرَب، والرياء مفسدٌ لها. انتهى "المفهم" ٣/ ٧٦.

(فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لَا تَعْلَمَ) يجوز فيه الرفع، والنصب، عَلَى تقدير كونه حالاً، أو مستقبلاً, لأن "حتّى" إذا وقع المضارع بعدها، فإن كَانَ مستقبلاً، كقولك: سرتُ حَتَّى أدخلُ البلد، وكان قولك قبل الدخول وجب رفعه، وإن قلته، وأنت داخل، أو بعد الدخول، وقصدت به حكاية تلك الحال وجب نصبه، وإلى ذلك أشار ابن مالك فِي "الخلاصة" حيث قَالَ:

وَتِلْوَ "حَتَّى" حَالاً أوْ مُؤَوَّلَا … بِهِ ارْفَعَنَّ وَانْصِبِ الْمُسْتَقْبَلَا

و"تعلم" يحتمل الوجهين، فلذا جاز فيه وجهان.

(شِمَالُهُ) مرفوع عَلَى الفاعليّة، وقوله: (مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) منصوب عَلَى المفعوليّة، وإنما ذكر اليمين، والشمال؛ للمبالغة فِي الإخفاء، والإسرار بالصدقة، وضرب المثل بهما لقرب اليمين منْ الشمال، ولملازمتهما، ومعناه: لو قُدّرت الشمال رجلاً متيقّظًا لَمَا عَلِمَ صدقة اليمين لمبالغته فِي الإخفاء. وقيل: المراد مَن عَلَى شماله منْ النَّاس. قاله العينيّ فِي "العمدة" ٤/ ٣٥٣.

وَقَالَ القرطبيّ: هَذَا مبالغة فِي إخفاء الصدقة، وَقَدْ سمعنا منْ بعض المشايخ أن ذلك أن يتصدّق عَلَى الضعيف فِي صورة المشتري منه، فيدفع له درهمًا مثلاً فِي شيء يُساوي نصف درهم، فالصورة مبايعة، والحقيقة صدقة، وهو اعتبارٌ حسن. انتهى "المفهم" ٣/ ٧٧.

وَقَالَ فِي "الفتح": المقصود منه المبالغة فِي إخفاء الصدقة، بحيث إن شماله مع قربها منْ يمينه، وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لَمَا علمت ما فعلت اليمين؛ لشدة إخفائها، فهو عَلَى هَذَا منْ مجاز التشبيه، ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزقي: "تصدق بصدقة، كأنما أخفى يمينه منْ شماله". ويحتمل أن يكون منْ مجاز الحذف، والتقدير: حَتَّى لا يعلم ملك شماله، وأَبعَدَ منْ زَعَمَ أن المراد بشماله نفسه، وأنه منْ تسمية الكل باسم الجزء، فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه. وقيل: هو منْ مجاز الحذف، والمراد بشماله مَنْ عَلَى شماله منْ النَّاس، كأنه قَالَ مجاور شماله. وقيل: المراد أنه لا