للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(إِلَى) ولده (عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهُوَ قَاضِي سِجِسْتَانَ) جملة حالية، و"سجستان" -بكسر المهملة والجيم، عَلَى الصحيح، بعدهما مثناة ساكنة- وهي إلى جهة الهند، بينها وبين كِرْمان مائة فرسخ، منها أربعون فرسخا مفازة، ليس فيها ماء، وينسب إليها سجستاني، وسِجزتي -بزاي بدل السين الثانية والتاء- وهو عَلَى غير قياس، و"سجستان" لا تصرف للعلمية والعجمية، أو زيادة الألف والنون. قَالَ ابن سعد فِي "الطبقات": كَانَ زياد فِي ولايته عَلَى العراق قَرَّب أولاد أخيه لأمه، أبي بكرة، وشَرَّفهم، وأقطعهم، ووَلَّى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان، قَالَ: ومات أبو بكرة فِي ولاية زياد. (أَنْ لَا تَحْكُمَ) وفي رواية البخاريّ: "أن لا تقضي" (بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي) الفاء للتعليل: أي لأني (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "لَا) يحتمل أن تكون ناهيةً، والفعل بعدها مجزوم بها، ويحتمل أن تكون نافية، والفعل مرفوع، والنفي بمعنى النهي (يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَانُ") وفي رواية البخاريّ: "لا يقضين حَكَمٌ بين اثنين، وهو غضبان"، وفي رواية الشافعيّ، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير بسنده: "لا يقضي القاضي، أو لا يحكم الحاكم بين اثنين، وهو غضبان"، ولم يذكر القصة.

والْحَكَم -بفتحتين-: هو الحاكم، وَقَدْ يطلق عَلَى القَيِّم بما يسند إليه. قَالَ المهلب: سبب هَذَا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق فمنع، وبذلك قَالَ فقهاء الأمصار. وَقَالَ ابن دقيق العيد: فيه النهي عن الحكم حالة الغضب؛ لما يحصل بسببه منْ التغير الذي يَختَلّ به النظر، فلا يحصل استيفاء الحكم عَلَى الوجه، قَالَ: وعَدّاه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر، كالجوع والعطش المفرطين، وغلبة النعاس، وسائر ما يتعلق به القلب، تعلقا يَشغَله عن استيفاء النظر، وهو قياس مظنة عَلَى مظنة، وكأن الحكمة فِي الاقتصار عَلَى ذكر الغضب؛ لاستيلائه عَلَى النفس، وصعوبة مقاومته، بخلاف غيره. وَقَدْ أخرج البيهقي بسند ضعيف، عن أبي سعيد رفعه: "لا يقض القاضي إلا وهو شبعان، ريان". وقول الشيخ: وهو قياس مظنة عَلَى مظنة صحيح، وهو استنباط معنى دل عليه النص، فإنه لَمّا نُهِيَ عن الحكم حالة الغضب، فُهم منه أن الحكم لا يكون إلا فِي حالة استقامة الفكر، فكانت علة النهي المعنى المشترك، وهو تغير الفكر، والوصف بالغضب يسمى علة، بمعنى أنه مشتمل عليه، فأُلحق به ما فِي معناه كالجائع، قَالَ الإِمام الشافعيّ رحمه الله تعالى فِي "الأم": أكره للحاكم أن يحكم، وهو جائع، أو تَعِبٌ، أو مشغول القلب، فإن ذلك يغير القلب. قاله فِي "الفتح" ١٥/ ٣٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع