للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[تنبيه]: قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: أشكل عَلَى بعضهم استدلال البخاريّ رحمه الله تعالى بهذا الْحَدِيث على مسألة الظفر، فِي "كتاب الإشخاص"، حيث ترجم له: "قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه"، واستدلاله به عَلَى جواز القضاء عَلَى الغائب؛ لأن الاستدلال به عَلَى مسألة الظفر، لا تكون إلا عَلَى القول بأن مسألة هند كانت عَلَى طريق الفتوى، والاستدلال به عَلَى مسألة القضاء عَلَى الغائب، لا يكون إلا عَلَى القول بأنها كانت حكمًا.

[والجواب]: أن يقال كل حكم يصدر منْ الشارع، فإنه ينزل منزلة الإفتاء بذلك الحكم فِي مثل تلك الواقعة، فيصح الاستدلال بهذه القصة للمسألتين. انتهى "فتح" ١٠/ ٦٤٠. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي القضاء عَلَى الغائب:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: منْ ادعى حقا عَلَى غائب فِي بدد آخر، وطلب منْ الحاكم سماع البينة، والحكم بها عليه، فعلى الحاكم إجابته، إذا كملت الشرائط، وبهذا قَالَ شبرمة، ومالك، والأوزاعي، والليث، وسَوّار، وأبو عبيد، وإسحاق، وابن المنذر. وكان شريح لا يرى القضاء عَلَى الغائب، وعن أحمد مثله، وبه قَالَ ابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه، ورُوي ذلك عن القاسم، والشعبي، إلا أن أبا حنيفة قَالَ: إذا كَانَ له خصم حاضر منْ وكيل، أو شفيع جاز الحكم عليه، واحتجوا بما رُوي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ لعلي -رضي الله عنه-: "إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقض للأول حَتَّى تسمع كلام الآخر، فإنك تدري بما تقضي"، قَالَ الترمذيّ: هَذَا حديث حسن صحيح، ولأنه قضاء لأحد الخصمين وحده فلم يجز، كما لو كَانَ الآخر فِي البلد، ولأنه يجوز أن يكون للغائب ما يبطل البينة ويقدح فيها، فلم يجز الحكم عليه.

قَالَ: ولنا أن هندا قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، قَالَ: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، متَّفقٌ عليه، فقضى لها ولم يكن حاضرا، ولأن هَذَا له بينة مسموعة عادلة، فجاز الحكم بها كما لو كَانَ الخصم حاضرا، وَقَدْ وافقنا أبو حنيفة فِي سماع البينة، ولأن ما تأخر عن سؤال المدعي إذا كَانَ حاضرا يقدم عليه إذا كَانَ غائبا، كسماع البينة، وأما حديثهم فنقول به إذا تقاضى إليه رجلان لم يجز الحكم قبل سماع كلامهما، وهذا يقتضي أن يكونا حاضرين، ويفارق الحاضر الغائب، فإن البينة لا تسمع عَلَى حاضر إلا بحضرته، والغائب بخلافه، وَقَدْ ناقض أبو حنيفة أصله، فَقَالَ: إذا جاءت امرأة، فادّعت أن لها زوجا غائبا، وله مال فِي يد رجل، وتحتاج إلى النفقة، فاعترف لها بذلك، فإن الحاكم يقضي عليه بالنفقة، ولو