للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لطائف هَذَا الإسناد:

(منها): أنه منْ خماسيات المصنّف رحمه الله تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أن شيخه أحد مشايخ الجماعة بلا واسطة، وهم تسعة، وَقَدْ سبق ذكرهم غير مرّة. (ومنها): أنه مسلسل بثقات البصريين، وفيه أنس -رضي الله عنه- أحد المكثرين السبعة، وآخر منْ مات بالبصرة منْ الصحابة رضي الله تعالى عنهم. والله تعالى أعلم.

شرح الْحَدِيث

(عَنْ أَنَسٍ) -رضي الله عنه- (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بكَ مِنَ الْجُنُونِ) أي زوال العقل الذي هو منشأ الخيرات العلمية، والعمليّة (وَالْجُذَامِ) بالضم بوزن غُراب: علة تحدث منْ انتشار السوداء فِي البدن، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها، وربما انتهى إلى سقوط الأعضاء (وَالْبَرَصِ) بالتحريك: مصدر برِص، منْ باب فرح، وهو بياض يظهر فِي ظاهر البدن، يكون منْ فساد المزاج (وَسَيِّءِ الأسْقَامِ) منْ إضافة الصفة إلى الموصوف: أي الأسقام السيّئة التي تكون سببًا لخلل فِي عقل الإنسان، أو بدنه، كالسلّ، والاستسقاء، والأمراض المزمنة، فهو منْ ذكر العامّ بعد الخاصّ.

قَالَ الطيبيّ: وإنما لم يتعوّذ -صلى الله عليه وسلم- منْ الأسقام مطلقًا؛ لأن بعضها تخفّ مؤنته، وتكثر مثوبته عند الصبر عليها مع عدم إزمانها، كالحمّى، والصداع، والرمد. وإنما استعاذ منْ السقم المزمن، فينتهي بصاحبه إلى حالة يفرّ منه الحميم، ويقلّ معها المؤانس، والمداوي، مع ما يورث منْ الشين، فمنها الجنون الذي يزيل العقل، فلا يأمن صاحبه القتل، ومنها البرص، والجذام، وهما العلتان المزمنتان، مع ما فيهما منْ القذارة، والبشاعة، وتغيير الصورة، وَقَدْ اتفقوا عَلَى أنهما معديان إلى الغير. انتهى. ذكره فِي "المرقاة" ٥/ ٣٢٦.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: لعله أراد بالاتفاق اتفاق الأطباء عَلَى أنهما جرت العادة بالعدوى فيهما، فهو كالحديث الصحيح: "لا يورد ممرض عَلَى مصحّ"، وَقَدْ ذكرنا أقوال أهل العلم فِي الجمع بينه، وبين الْحَدِيث الصحيح أيضًا: "لا عدوى"، فِي غير هَذَا المحلّ. والله تعالى أعلم.

وَقَالَ ابن الملك رحمه الله تعالى: الحاصل أن كلّ مرض يحترز النَّاس منْ صاحّه، ولا ينتفعون منه، ولا ينتفع هو منهم، ويعجز بسبب ذلك المرض عن حقوق الله تعالى، وحقوق عباده، يستحبّ الاستعاذة منه. انتهى. ذكره فِي "المرقاة" أيضًا ٥/ ٣٢٦. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.