للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمة، فحصل الاجتناب فِي جهة التحريم، فبهذا حرمت الخمر، ولا خلاف بين علماء المسلمين، أن سورة المائدة نزلت بتحريم الخمر، وهي مدنية منْ آخر ما نزل، وورد التحريم فِي الميتة، والدم، ولحم الخنزير فِي قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ}، وغيرها منْ الآي خبرًا، وفي الخمر نهيا وزجرًا، وهو أقوى التحريم، وأوكده، رَوَى ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: لما نزل تحريم الخمر، مَشَى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعضهم إلى بعض، وقالوا حُرِّمت الخمر، وجُعلت عِدلا للشرك -يعني أنه قرنها بالذبح للأنصاب، وذلك شرك، ثم علق الفلاح بالأمر، فَقَالَ: {لَعَلَكُمْ تُفْلِحُونَ} دلالةَ عَلَى تأكيد الوجوب. قاله القرطبيّ. وَقَالَ النسفيّ: أكد تحريم الخمر، والميسر منْ وجوه: حيث صدّر الجملة بـ"إنما"، وقرنهما بعبادة الأصنام، وجعلهما رجسًا منْ عمل الشيطان، ولا يأتي منه إلا الشرِّ البحت، وأمر بالاجتناب، وجعل الاجتناب منْ الفلاح، وإذا كَانَ الاجتناب فلاحًا، كَانَ الارتكاب خسارة. انتهى "تفسير النسفيّ" ١/ ٣٠٠.

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: أعلم الله تعالى عباده أن الشيطان، إنما يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بيننا، بسبب الخمر وغيره، فحذّرنا منها، ونهانا عنها.

رُوي أن قبيلتين منْ الأنصار شربوا الخمر، وانتشوا، فعبث بعضهم ببعض، فلما صحوا رأى بعضهم فِي وجه بعض آثار ما فعلوا، وكانوا إخوة ليس فِي قلوبهم ضغائن، فجعل بعضهم يقول: لو كَانَ أخي بي رحيما ما فعل بي هَذَا، فحدثت بينهم الضغائن، فأنزل الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} الآية.

{وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} يقول: إذا سكرتم لم تذكروا الله، ولم تصلوا، وإن صليتم خلط عليكم كما فعل بعلي -رضي الله عنه-، ورُوي بعبد الرحمن، وَقَالَ عبيد الله بن عمر: سئل القاسم بن محمد، عن الشطرنج، أهي ميسر، وعن النرد أهو ميسر؟ فَقَالَ: كل ما صد عن ذكر الله، وعن الصلاة فهو ميسر. قَالَ أبو عبيد: تأوّل قوله تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ}.

وَقَالَ النسفيّ رحمه الله تعالى: ذَكَر الله تعالى ما يتولّد منهما منْ الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر، والقمر، وما يؤدّيان إليه منْ الصدّ عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلاة منْ بين الذكر لزيادة درجتها، كأنه قَالَ، وعن الصلاة خصوصاً، وإنما جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أوّلاً، ثم أفردهما آخرًا؛ لأن الخطاب مع المؤمنين، وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه منْ شرب الخمر واللعب بالميسر، وذكر الأنصاب والألزام لتأكيد تحريم الخمر والميسر وإظهار أن ذلك جميعًا منْ