للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان الشراب الذي أهريق، بسبب تحريم الخمر، وهو ما كَانَ منْ البسر والتمر. (ومنها): أن هَذَا الْحَدِيث منْ أقوى الحجج عَلَى أن الخمر اسم جنس لكل ما يُسكر، سواء كَانَ منْ العنب، أو منْ نقيع الزبيب، أو التمر، أو العسل، أو غيرهما، وأما دعوى بعضهم: أن الخمر حقيقة فِي ماء العنب، مجاز فِي غيره، فإن سُلِّم فِي اللغة، لزم منْ قَالَ به جواز استعمال اللفظ الواحد فِي حقيقته ومجازه، والكوفيون لا يقولون بذلك. انتهى. وأما منْ حيث الشرع، فالخمر حقيقة فِي الجميع؛ لثبوت حديث: "كُلُّ مسكر خمر"، فمن زعم بأنه جمع بين الحقيقة والمجاز فِي هَذَا اللفظ، لزم أن يجيزه، وهذا ما لا انفكاك لهم عنه.

(ومنها): أنه استُدِلّ به عَلَى أن شرب الخمر كَانَ مباحا، لا إلى نهاية، ثم حرمت، وقيل: كَانَ المباح الشرب، لا السكر المزيل للعقل، وحكاه أبو نصر بن القشيري فِي "تفسيره" عن القفال، ونازعه فيه، وبالغ النوويّ فِي "شرح مسلم"، فَقَالَ: ما يقوله بعض منْ لا تحصيل عنده: إن السكر لم يزل محرما باطل، لا أصل له، وَقَدْ قَالَ الله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النِّساء: ٤٣]، فإن مقتضاه وجود السكر، حَتَّى يصل إلى الحد المذكور، ونهوا عن الصلاة فِي تلك الحالة، لا فِي غيرها، فدل عَلَى أن ذلك كَانَ واقعا، ويؤيده قصة حمزة، والشارفين كما بُيّن فِي محلّه، وعلى هَذَا، فهل كانت مباحة بالأصل، أو بالشرع، ثم نسخت، فيه قولان للعلماء: والراجح الأول.

(ومنها): أنه استُدلّ به عَلَى أن المتخذ منْ غير العنب، يسمى خمرًا، وسيأتي البحث فِي ذلك قريبًا فِي باب "إثبات اسم الخمر لكل مسكر منْ الأشربة"، إن شاء الله تعالى. (ومنها): أنه استُدلّ به عَلَى أن السَّكَر المتخذ منْ غير العنب، يحرم شرب قليله كما يحرم شرب القليل منْ المتخذ منْ العنب، إذا أسكر كثيره؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- فهموا منْ الأمر باجتناب الخمر تحريم ما يُتخذ للسكر منْ جميع الأنواع، ولم يستفصلوا، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء منْ الصحابة والتابعين، وخالف فِي ذلك الحنفية، ومن قَالَ بقولهم منْ الكوفيين، فقالوا: يحرم المتخذ منْ العنب، قليلاً كَانَ أو كثيرا، إلا إذا طُبخ عَلَى تفصيل سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، فإنه يَحِلُّ، وَقَدْ انعقد الإجماع عَلَى أن القليل منْ الخمر، المتخذ منْ العنب يحرم قليله وكثيره، وعلى أن العلة فِي تحريم قليله كونه يدعو إلى تناول كثيره، فيلزم ذلك منْ فرق فِي الحكم بين المتخذ منْ العنب وبين المتخذ منْ غيرها، فَقَالَ فِي المتخذ منْ العنب: يحرم القليل منه والكثير، إلا إذا طُبخ كما سيأتي بيانه، وفي المتخذ منْ غيرها لا يحرم منه إلا القدر الذي يُسْكِر، وما دونه لا