للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نهُي عنه بمعنى النظر إلى غيره، فإنه يسقط للضرورة، كالنهي عن الجلوس فِي الطرقات، فلما قالوا: لابد لنا منها، قَالَ: "فأعطوا الطريق حقها".

وَقَالَ الخطّابيّ: ذهب الجمهور إلا أن النهي إنما كَانَ أولا، ثم نسخ، وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ فِي هذه الأوعية باق، منهم ابن عمر، وابن عبّاس، وبه قَالَ مالك، وأحمد، وإسحاق، كذا أطلق، قَالَ: والأول أصح، والمعنى فِي النهي أن العهد بإباحة الخمر كَانَ قريبا، فلما اشتهر التحريم أبيح لهم الانتباذ، فِي كل وعاء، بشرط ترك شرب المسكر، وكان منْ ذهب إلى استمرار النهي، لم يبلغه الناسخ.

وَقَالَ الحازمي: لمن نصر قول مالك أن يقول: ورد النهي عن الظروف كلها، ثم نسخ منها ظروف الأدم، والجرار غير المزفتة، واستمر ما عداها عَلَى المنع.

ثم تعقب ذلك بما ورد منْ التصريح فِي حديث بريدة عند مسلم، ولفظه: "نهيتكم عن الأشربة إلا فِي ظروف الأدم، فاشربوا فِي كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكرًا"، قَالَ: وطريق الجمع أن يقال: لما وقع النهي عاما، شَكَوا إليه الحاجة، فرخص لهم فِي ظروف الأدم، ثم شكوا إليه أن كلهم لا يجد ذلك، فرخص لهم فِي الظروف كلها. انتهى "فتح" ١١/ ١٨٢ - ١٨٤.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما تقدّم منْ الحجج أن أرجح الأقوال هو القول بأن الانتباذ جائز فِي أي وعاء كَانَ، وأنه يُعتذر للمانعين بأنه لم يبلغهم النسخ الواضح فِي حديث بُريدة -رضي الله عنه- المذكور فِي الباب، فإنه نصّ لا يحتمل التأويل، فقد قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "ونهيتكم عن النبيذ إلا فِي سقاء، فاشربوا فِي الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرًا"، وفي لفظ: "ونهيتكم عن الأشربة فِي الأوعية، فاشربوا فِي أيّ وعاء شئتم، ولا تشربوا مسكرًا"، وفي لفظ: "كنت نهيتكم عن الأوعية، فانتبذوا فيما بدا لكم، وإياكم وكلَّ مسكر".

فدلالة النصّ عَلَى أن النسخ عامّ فِي جميع الأوعية، لا يُخصّ منه شيءٌ، مما لا يتردد فيها ذوفهم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٥٦٥٥ - (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ، إِلاَّ فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا").