للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكانوا فِي المغازي يقتسمون ما وقع لهم منْ الأوعية، والثياب، ويستعملونها، وصح عنهم أنهم يستعملون الماء منْ مزادة مشركة.

والقائلون بالنجاسة يستدلون بأنه صح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه سئل عن آنية أهل الكتاب، الذين يأكلون الخنزير، ويشربون الخمر؟ فَقَالَ:"إن لم تجدوا غيرها، فاغسلوها بالماء، ثم كلوا فيها".

وَقَدْ فسر الإِمام أحمد الشبهة بأنها منزلة بين الحلال والحرام، يعني الحلال المحض، والحرام المحض، وَقَالَ: منْ اتّقاها فقد استبرأ لدينه، وفسرها تارة باختلاط الحلال والحرام، ويتفرع عَلَى هَذَا معاملة منْ فِي ماله حلال وحرام مختلط.

فإن كَانَ أكثر ماله الحرام، فَقَالَ أحمد: ينبغي أن يتجنبه، إلا أن يكون شيئا يسيرا، أو شيئاً لا يعرف، واختلف أصحابه هل هو مكروه، أو محرم عَلَى وجهين، وإن كَانَ أكثر ماله الحلال، جازت معاملته، والأكل منْ ماله. وَقَدْ رَوَى الحارث عن عليّ رضي الله عنه، أنه قَالَ فِي جوائز السلطان: لا بأس بها، ما يعطيكم منْ الحلال أكثر مما يعطيكم منْ الحرام. وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، يعاملون المشركين، وأهل الكتاب، مع علمهم بأنهم لا يجتنبون الحرام كله.

وإن اشتبه الأمر فهو شبهة، والورع تركه. قَالَ سفيان: لا يعجبني ذلك، وتركه أعجب إلي. وَقَالَ الزهريّ، ومكحول: لا بأس أن يؤكل منه، ما لم يعرف أنه حرام بعينه، فإن لم يعرف فِي ماله حرام بعينه، ولكن علم أن فيه شبهة، فلا بأس بالأكل منه، نص عليه أحمد فِي رواية حنبل، وذهب إسحاق بن راهويه إلى ما رُوي عن ابن مسعود وسلمان وغيرهما منْ الرخصة، وإلى ما رُوي عن الحسن، وابن سيرين، فِي إباحة الأخذ بما يقضي منْ الربا والقمار، ونقله عنه ابن منصور، وَقَالَ الإمام أحمد فِي المال المشتبه حلاله بحرامه: إن كَانَ المال كثيرا، أخرج منه قدر الحرام، وتصرف فِي الباقي، وإن كَانَ المال قليلا، اجتنبه كله وهذا لأن القليل إذا تناول منه شيئا، فإنه يتعذر معه السلامة منْ الحرام، بخلاف الكثير، ومن أصحابه منْ حمل ذلك عَلَى الورع دون التحريم، وأباح التصرف فِي القليل والكثير بعد إخراج قدر الحرام منه، وهو قول الحنفية وغيرهم، وأخذ به قوم منْ أهل الورع، منهم بشر الحافي، ورخص قوم منْ السلف فِي الأكل ممن يعلم فِي ماله حرام، ما لم يعلم أنه منْ الحرام بعينه، فصح كما تقدّم عن مكحول والزهري، وروي مثله عن الفضيل بن عياض، ورُوي فِي ذلك آثار عن السلف، فصح عن ابن مسعود أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية، ولا يتحرج منْ مال خبيث يأخذه، يدعوه إلى طعام، قَالَ: أجيبوه، فإنما المهنأ لكم، والوزر عليه،