للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المشروعية، ومناقشتها، على ما حققه المنصفون ممن لم يتأثر بالتعصب المذهبي، فأذكر ذلك هنا بعون الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقول:

ذكر مذهب القائلين بعدم مشروعية الرفع إلا في تكبيرة الإحرام، ومناقشة أدلتهم:

قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى بعد إخراج حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - المذكور في الباب: ما نصّه: وبه يقول غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وهو قول سفيان، وأهل الكوفة. انتهى.

وقال النوويّ -رحمه الله-: وقال أبو حنيفة، والثوري، وابن أبي ليلى، وسائر أصحاب الرأي: لا يرفع يديه في الصلاة إلا لتكبيرة الإحرام، وهي أشهر الروايات عن مالك.

وأما القائلون بعدم المشروعية، فاحتجوا على ذلك بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - المذكور في الباب، وقد عرفت ما فيه.

واحتجوا أيضا بحديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - عند أبي داود، والدارقطني بلفظ: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لم يعد". وهو من رواية يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عنه.

وقد اتفق الحفاظ أن قوله: "ثم لم يعد" مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد. وقد رواه بدون ذلك شعبة، والثوري، وخالد الطحان، وزهير، وغيرهم من الحفاظ. وقال الحميدي: إنما روى هذه الزيادة يزيد، ويزيد يزيد. وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن حنبل: لا يصح، وكذا ضعفه البخاري، وأحمد، ويحيى، والدارمي، والحميدي، وغير واحد.

قال يحيي بن محمَّد بن يحيي: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: هذا حديث واهٍ، وكان يزيد يحدث به بُرهَةً من دهره لا يقول فيه: "ثم لا يعود"، فلما لقنوه (١) تلقن، وكان يذكرها. وقال البيهقي: رواه محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف عليه فيه، فقيل: عن أخيه عيسى، عن أبيهما، وقيل: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، وقيل: عن يزيد بن أبي زياد. قال عثمان الدارمي: لم يروه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد أقوى من يزيد بن أبي زياد. وقال البزار: لا يصح قوله في الحديث: "ثم لا يعود". وروى الدارقطني من طريق علي بن عاصم، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن يزيد بن أبي زياد هذا الحديث، قال علي بن عاصم: فقدمت الكوفة، فلقيت يزيد ابن أبي زياد، فحدثني به، وليس فيه؛ "ثم لا يعود"، فقلت له: إن ابن أبي ليلى حدثني


(١) يعني أهل الكوفة.