للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

راكع) جملة اسمية في محل نصب على الحال من فاعل "أقرأ". أي ونهاني عن قراءتي، والحال أني راكع.

وفي رواية زيادة السجود، فقد أخرج مسلم من طريق الزهري، وزيد بن أسلم، والوليد بن كثير، كلهم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، أنه سمع علي بن أبي طالب، يقول: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قراءة القرآن، وأنا راكع، أو ساجد". ونحوه من طريق داود بن قيس، عن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي - رضي الله عنه -.

قال النووي -رحمه الله-: فيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وإنما وظيفة الركوع التسبيح، ووظيفة السجود التسبيح والدعاء، فلو قرأ في ركوعه، أو سجوده غير الفاتحة كره، ولم تبطل صلاته، وأن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما أنه كغير الفاتحة، فيكره، ولا تبطل صلاته. والثاني يحرم، وتبطل صلاته. هذا إذا كان عمدا، فإن قرأ سهوا لم يكره، وسواء قرأ عمدا، أو سهوا يسجد للسهو عند الشافعي رحمه الله تعالى. انتهى (١).

وقال العلامة الشوكاني -رحمه الله-: وهذا النهي يدلّ على تحريم قراءة القرآن في الركوع والسجود، وفي بطلان الصلاة بالقرأءة حال الركوع والسجود خلاف. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر أن قوله من قال بعدم صحة صلاة من فعل ذلك عامدا، هو الراجح؛ لأن النهي يقتضي الفساد، والفساد هو البطلان، وأما من فعله ناسيا فليسجد للسهو. والله سبحانه وتعالى أعلم.

[قيل]: الحكمة في النهي عن القراءة، لما في الركوع والسجود من الذكر والتسبيح، فلو كانت قراءة القرآن فيهما مشروعة لكان فيه الجمع بين كلام الله، وكلام غيره في محل واحد. كذا قيل.

وفيه نظر، لأن الركعة الأولى فيها دعاء الاستفتاح، وقد جمع بينه وبين القراءة، فلو كان النهي للجمع المذكور للزم فيها ذلك. أفاده السندي. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(وقال مرة أخرى: وأن أقرأ راكعا) الظاهر أن فاعل "قال" هو علي - رضي الله عنه -، والمعنى أنه حدث بهذا الحديث غير مرة، فمرة قال: "وأن أقرأ، وأنا راكع"، ومرة أخرى قال: "وأن أقرأ راكعا". ولا اختلاف بين الروايتين من حيث المعنى، وإنما فائدته أن يُعلَم أن الراوي ما نسي شيئا من الحديث، وأنه ضابط لما سمعه، بحيث إنه يتذكر سماعه منه أكثر من مرة، وأنه يستحضر الألفاظ التي عبر بها في كل مرة. والله سبحانه وتعالى


(١) "شرح مسلم" جـ ٤ ص ١٩٧.
(٢) "نيل الأوطار" جـ ٢ ص ٢٨٨.