للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللهم ربنا، لك الحمد"، كذلك قال محمَّد بن سيرين، وأبو بردة. وقال عطاء يجمعهما مع الإمام أحب إليّ، وبه قال الشافعي، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد.

وقالت طائفة: إذا قال الإمام: "سمع الله لمن حمده فليقل من خلفه: "ربنا، ولك الحمد". هذا قول عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة - رضي الله عنهم -. وبه قال الشعبي، ومالك، وقال أحمد بن حنبل: إلى هذا انتهى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد"، فالاقتصار على ما عَلَّمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المأمومَ أن يقوله أحب إلي، وينبغي أن يكون قوله المأموم: ربنا لك الحمد، أوكد من التشهد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد عند من يجعل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الفرض، ومما يزيد ما قلناه توكيدا قول الرجل وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ربنا، ولك الحمد لمّا سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: سمع الله لمن حمده (١). انتهى المقصود من كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى (٢).

وقال الحافظ رحمه الله تعالى في شرح قوله: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللَّهم ربنا لك الحمد":

ما نصّه: استُدِلَّ به على أن الإمام لا يقول: "ربنا لك الحمد وعلى أن المأموم لا يقول: "سمع الله لمن حمده"، لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية، كما حكاه الطحاوي، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وفيه نظر، لأنه ليس فيه ما يدلّ على النفي، بل فيه أن قول المأموم: "ربنا لك الحمد" يكون عقب قول الإمام: "سمع الله لمن حمده"، والواقع في التصوير ذلك، لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام، كما في الخبر، وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين، كما تقدم من أنه لا يلزم من قوله: "إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمين" أن الإمام لا يؤمّن بعد قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ}، وليس فيه أن الإمام يؤمّن، كما أنه ليس في هذا أنه يقول: "ربنا لك الحمد"، لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة، كما تقدم في التأمين، وكما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين التسميع والتحميد.

وأما ما احتجوا به من حيث المعنى من أن معنى "سمع الله لمن حمده" طلب


(١) يشير بذلك إلى حديث رفاعة بن رافع - رضي الله عنه - الآتي في الباب التالي، إن شاء الله تعالى.
(٢) "الأوسط" جـ ٣ ص ١٦١ - ١٦٣.