للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التحميد، فيناسب حال الإمام، وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله: "ربنا، لك الحمد"، ويقويه حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عند مسلم وغيره (١)، ففيه: "وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم".

فجوابه أن يقال: لا يدلّ ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول: "ربنا ولك الحمد"، إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبًا، وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعيا، والمأموم مؤَمِّنًا أن لا يكون الإمام مؤمّنا، ويقرب منه ما تقدم البحث فيه في الجمع بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن، وقضية ذلك أن الإمام يجمعهما، وهو قول الشافعي، وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد، والجمهور، والأحاديث الصحيحة تشهد له، وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضًا، لكن لم يصح في ذلك شيء، ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال: إن الشافعي انفرد بذلك؛ لأنه نقل في "الإشراف" عن عطاء، وابن سيرين، وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم.

وأما المنفرد فحكى الطحاوي، وابن عبد البرّ الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما، للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب "الهداية" إلى خلاف عندهم في المنفرد. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى بتغيير يسير (٢).

[قال الجامع عفا الله تعالى عنه]: قد تبين مما تقدم أن ما ذهب إليه الجمهور من أن الإمام يجمع بين التسميع، والتحميد، وأن المأموم يُحَمِّدُ فقط هو المذهب الراجح، عملا بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان يصلي إمامًا، ويقوله: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فثبت أن الإمام يجمع بينهما.

[فإن قيل]: إن حديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي" يشمل المأموم أيضًا، كما استدل به من قال بأنه يجمع بينهما.

[أجيب]: بأنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا قال: سمع الله لمن حمده"، فقولوا: "ربنا ولك الحمد" يقدم عليه، لأمرين:

(الأول): أنه عام خص منه عدم متابعة المأموم في الجهر بالقراءة إجماعا.

(الثاني): حديث رفاعة بن رافع - رضي الله عنه - قال: "كنا يوما نصلي وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفع رأسه من الركعة، قال: "سمع الله لمن حمده"، قال رجل وراءه: ربنا ولك


(١) هو الحديث الآتي للمصنف بعد باب، وتقدم ٣٨/ ٨٣٠.
(٢) "فتح" جـ ٢ ص ٥٤٠.