للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخرج الترمذي، وحسنه من حديث عبد الله بن أرقم - رضي الله عنه -: "صليت مع النبي، فكنت أنظر إلى بياض عُفْرَتَي إبطيه إذا سجد".

ولابن خزيمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، رفعه: "إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب، وليضم فخذيه". وللحاكم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - نحو حديث عبد الله بن أرقم، وعنه عند الحاكم: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد، يُرَى وَضَحُ إبطيه". وله من حديثه، ولمسلم من حديث البراء - رضي الله عنه -، رفعه: "إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك".

قال الحافظ رحمه الله تعالى: وهذه الأحاديث، مع حديث ميمونة - رضي الله عنها - عند مسلم: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجافي يديه، فلو أن بَهْمَةً أرادت أن تمرّ لمرّت" (١). مع حديث ابن بحينة هذا ظاهرها وجوب التفريج المذكور.

لكن أخرج أبو داود ما يدلّ على أنه للاستحباب، وهو حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: شكا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - له مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا، فقال: "استعينوا بالرُّكَبِ". وترجم له [باب الرخصة في ذلك] أي في ترك التفريج، قال ابن عجلان أحد رواته: وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود، وأعيا (٢) ..

وقال العلامة الصنعاني رحمه الله تعالى: وقد يجاب عنه بأن ما استُدلّ به على الاستحباب أدلّ منه على الوجوب، فإن الترخيص فرع العزيمة، وهو مخصوص بحالة المشقة، فلابدّ من مسلك صحيح، يعمّ الحكم به جميعَ الأحوال، على أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "استعينوا بالركب" أظهر في تكميل الواجب، وعدم الترخيص فيه. انتهى (٣) ..

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الصنعاني رحمه الله تعالى تَعَقُّب وجيه، فدلالة هذه الأحاديث على الوجوب ظاهر، لا معارض له، وحديث "استعينوا بالركب" دلالته على الوجوب أظهر من دلالته على الاستحباب، ولو سُلِّمَ فهو لمن يتضرر بالتفريج فقط. والله تعالى أعلم.

وقد أخرج الترمذي الحديث المذكور، ولم يقع في روايته "إذا انفرجوا"، فترجم له "ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود"، فجعل محلّ الاستعانة بالركب لمن يرفع من السجود طالبا للقيام، واللفظ محتمل ما قال، لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعيّن المراد. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (٤).


(١) سيأتي للمصنف في الباب التالي ١٤٢/ ١١٠٩.
(٢) "فتح" جـ ٢ ص ٥٥٣ - ٥٥٤.
(٣) "العدّة حاشية العمدة" ج ٢ ص ٣٤٣.
(٤) "فتح" جـ ٢ ص ٥٥٤.