للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦].

وقال العلامة القرطبي -رحمه الله-: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أتقن الصانعين، يقال لمن صنع شيئا: خلقه، ثم استشهد بالبيت المتقدم عند ذكر كلام ابن كثير -رحمه الله-.

قال: وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، وإنما يضاف الخلق إلى الله تعالى.

وقال ابن جريج: إنما قال: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} لأنه تعالى أذن لعيسى - عليه السلام - أن يخلق. واضطرب بعضهم في ذلك.

ولا تُنفَى اللفظة عن البشر في معنى الصنع، وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم. انتهى كلام القرطبي رحمه الله تعالى (١)

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحاصل أن إطلاق الخلق لغير الله سبحانه وتعالى بمعنى الصنع جائز؛ لوقوعه في كلام الله تعال، كقوله سبحانه: {آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤] حيثا أضاف "أحسن" إلى "الخالقين"، وكقوله تعالى في تعداد ما أنعم الله على نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} الآية [المائدة: ١١٠]، فإذا ورد ذلك في القرآن، فلا توقف، ولا اعتراض {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: ١٤]. والله تعالى أعلم بالصواب.

وقال السندي رحمه الله تعالى: قوله: "أحسن الخالقين" أي المقدرين، أو لو فرض هناك خالق آخر لكان أحسنهم خَلْقًا، وإلا فهل من خالق غير الله، لا إله إلا هو. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لا داعي للاحتمال الثاني؛ إذ لا محذور في المعنى الأول؛ إذ الخلق من الله بمعنى الإيجاد، ومن الخلق بمعنى التقدير والتصوير، فبينهما بَوْنٌ عظيم.

فالله سبحانه وتعالى له التقدير والتصوير، والإيجاد، فأفادت إضافة أفعل التفضيل زيادة خلقه سبحانه وتعالى على خلق غيره، فإنهم وإن وُصفوا بالخالقية، فلا يراد بها إلا الناقص، وهو التقدير والتصوير، وهو مع ذلك مخلوق لله تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.

وأما خالقية الله سبحانه، فأكمل، إذ هي التقدير والتصوير المقترن بالإيجاد، والإمداد، من دون مشارك له سبحانه وتعالى في ذلك والله تعالى أعلم.


(١) "تفسير القرطبي" ج ١٢ ص ١١٠.