للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيخرجون، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار، قد امتَحَشُوا، فيُصبُّ عليهم ماءُ الحياة، فينبتون كما تنبت الْحِبَّة في حَمِيل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار -وهو آخر أهل النار دخولًا الجنةَ- مقبلًا بوجهه قِبَلَ النار، فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار، قد قَشَبَني (١) ريحها، وأحرقني ذَكَاؤها (٢)، فيقول: هل عسيت إن فعلتُ ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا، وعزتك، فيعطى اللهَ ما يشاءُ من عَهْد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بَهْجَتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: ياربّ قَدِّمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكونُ أشقى خلقك، فيقول: فما عسيتَ إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره، فيقول: لا، وعزتك، لا أسألُ غيرَ ذلك، فيعطي رَبَّهُ ما شاء من عهد وميثاق، فيقدّمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها، فرأى زَهْرَتها، وما فيها من النَّضْرَة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله تعالى: ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك؟ أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أُعْطِيتَ؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عز وجلّ منه، ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول له: تَمَنَّ، فيتمنى، حتى إذا انقطع أُمنيّتُه قال الله عزّ وجلّ: زدْ من كذا وكذا، أقبل يذكّرُه ربُّه عزّ وجلّ، حتى إذا انتهت به الأمانيّ، قال الله تعالى: لك ذلك، ومثله معه".

قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة - رضي الله عنهما-: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عز وجلّ: لك ذلك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله: "لك ذلك، ومثله معه قال أبو سعيد الخدري: إني سمعته يقول: "لك ذلك، وعشرة أمثاله". انتهى (٣).

(قال) أي أحدهما، وفي نسخة بإسقاط لفظة "قال" (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأكون أول من يُجيز) من الإجازة، وفي رواية البخاري "فأكون أنا وأمتي أول من يجيز". قال في "الفتح": في رواية شعيب "يجوز بأمته"، وفي رواية إبراهيم بن سعد "يُجِيزها"، والضمير لجهنم.

قال الأصمعي -رحمه الله-: جاز الوادي مشى فيه، وأجازه قطعه. وقال غيره: جاز،


(١) "قشبني" آذاني، وأهلكني.
(٢) "ذكاؤها" بالمد، واقصر، وهو الأشهر: أي لهبها، وشدة اشتعالها.
(٣) "صحيح البخاري"ج ٢ ص ٥٥١ - ٥٥٢. بنسخة الفتح.