للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فاستدلال المصنف رحمه الله تعالى به على سنة الجلوس بين السجدتين واضح، إذ هو من جملة الجلسات التي لم يرد فيها نص مثل ما ورد في الجلوس الأخير. والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: يشكل على حديث الباب ما أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وغيرهما عن طاوس، قال: قلنا لابن عباس - رضي الله عنهما - في الإقعاء على القدمين؟ فقال: هي السنة، فقلنا له: إنا لنراه جَفَاء بالرَّجُل (١)، فقال ابن عباس: بل هي سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، انتهى.

فقد حمله العلماء على الجلوس بين السجدتين، فيدل على أن السنة في الجلوس بين السجدتين الإقعاء، وهو أن يجعل أليتيه على عقبيه، فهذا يعارض حديث الباب.

ويجاب بحمله على الجواز، فإن شاء افترش ببن السجدتين، وإن شاء فعل الإقعاء المذكور، وليس هذا مثل التورك الوارد في التشهد الأخير، فإنه هو السنة فيه، ولا يسن فيه غيره.

والحاصل أن الجلوس بين السجدتين يخيّر فيه المصلي بين أن يفترش، وبين أن يجعل أليتيه على عقبيه، والأول أفضل؛ لأنه أكثر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد حقّق ذلك النووي رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مسلم"، حيث قال:

(اعلم): أن الإقعاء ورد فيه حديث ثان، ففي هذا الحديث -يعني حديث ابن عباس المذكور- أنه سنة، وفي حديثا آخر النهي عنه، رواه الترمذي، وغيره من رواية علي - رضي الله عنه -، وابن ماجه من رواية أنس، وأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى من رواية سمرة، وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة، وأسانيد كلها ضعيفة.

وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء، وفي تفسيره اختلافا كثيرا، لهذه الأحاديث، والصواب الذي لا معدل عنه أن الإقعاء نوعان:

أحدهما: أن يُلصق أَلْيَتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب. هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى، وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلَّام، وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي.


(١) وقوله: "إنا لنراه جفاء بالرجل" قال النووي رحمه الله: ضبطناه بفتح الراء، وضم الجيم، أي بالإنسان، وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: وضبطه أبو عمر ابن عبد البرّ بكسر الراء، وسكون الجيم، قال أبو عمر: ومن ضم الجيم فقد غلط. وردّ الجمهورُ على ابن عبد البرّ، وقالوا: الصواب الضم، وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه. والله تعالى أعلم. انتهى شرح "صحيح مسلم" ج -٥ ص ١٩.