للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعن أبي حميد وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - أنه وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ثم هَوَى ساجدا، ثم ثَنَى رجله، وقعد حتى رجع كلّ عظم موضعه، ثم نهض" وذكر الحديث، فقالوا: صدقت. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وإسناد أبي داود إسناد صحيح، على شرط مسلم.

والجواب عن حديث المسيء صلاته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما علمه الواجبات دون المسنونات.

وأما حديث وائل - رضي الله عنه -، فلو صحّ وجب حمله على موافقة غيره في إثبات جلسة الاستراحة؛ لأنه ليس فيه تصريح بتركها، ولو كان صريحا لكان حديث مالك بن الحويرث، وأبي حميد، وأصحابه مقدما عليه لوجهين:

(أحدهما): صحة أسانيدها.

(والثانى): كثرة رواتها.

ويحتمل أن يكون حديث وائل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت، أو أوقات بيانا للجواز، وواظب على ما رواه الأكثرون، ويؤيد هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمالك بن الحويرث بعد أن قام يصلي معه، ويتحفظ العلم منه عشرين يوما، وأراد الانصراف من عنده إلى أهله: "اذهبوا إلى أهليكم، ومُرُوهم، وعلموهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي". وهذا كله ثابت في "صحيح البخاري" من طرق، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا، وقد رآه يجلس الاستراحة، فلو لم يكن هذا هو المسنون لكل أحد لما أطلق - صلى الله عليه وسلم - قوله: "صلوا كما رأيتوني أصلي".

وبهذا يحصل الجواب عن فرق أبي إسحاق المروزي بين القوي والضعيف، ويجاب به أيضا عن قول من لا معرفة له: ليس تأويل حديث وائل وغيره بأولى من عكسه.

وأما قول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: إن أكثر الأحاديث على هذا، فمعناه أن أكثر الأحاديث ليس فيها ذكر الجلسة إثباتا، ولا نفيا، ولا يجوز أن يحمل كلامه على أن مراده أكثر الأحاديث تنفيها؛ لأن الموجود في كتب الحديث ليس كذلك، وهو أجلّ من أن يقول شيئا على سبيل الإخبار عن الأحاديث، ونجد فيها خلافه.

وإذا تقرر أن مراده أن أكثر الروايات ليس فيها إثباتها، ولا نفيها لم يلزم ردّ سنة ثابتة من جهات عن جماعات من الصحابة.

وأما قول الطحاوي: إنها ليست في حديث أبي حميد، فمن العجب الغريب!! فإنها


= في الأخير: "حتى تستوي قائما". قال الحافظ: ويمكن أن يحمل إن كان محفوظا على الجلوس للتشهد. انتهى "فتح" ج ٢ ص ٥٣٤.