للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للقسم المقدر، أي: والله لَينْتَهُنَّ، وهو بفتح الياء، وضم الهاء مبنيّا للفاعل، والفاعلُ واو الجماعة المحذوفةُ للالتقاء الساكنين إذ أصله لَيَنْتَهُونَنَّ، ثم ذف نون الرفع؛ لتوالي الأمثال، وواو الجماعة لالتقاء الساكنين. وفي رواية أبي داود "لَيُنْتَهَيَنَّ" وفيه روايتان للبخاري، والأكثرون بفتح أوله، وضم الهاء، وحذف الياء المثناة، وتشديد النون على البناء للفاعل، والثانية بضم الياء، وسكون النون، وفتح الفوقية والهاء والتحتانية، وتشديد النون للتأكيد على البناء للمفعول (عن ذلك) متعلق بما قبله، أي عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة (أو لَتُخْطَفَنّ أبصارهم) بضم حرف المضارعة، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الطاء المهملة والفاء والنون المشددة، مبنيًا للمفعول، و"أبصارُهم" نائب فاعله.

والمعنى: لَتُسْلَبَنَّ أبصارهم بسرعة، أي: إن أحد الأمرين واقع لا مَحَالَةَ، إما الانتهاء منهم، أو خَطْفُ أبصارهم من الله عقوبةً على فعلهم. وفي رواية لمسلم من حديث جابر بن سَمُرة - رضي الله عنهما -: "لَيَنْتَهِيَنَّ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم".

قال النووي -رحمه الله-: فيه النهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك، وقد نُقِلَ الإجماعُ في النهي عن ذلك، قال القاضي عياض -رحمه الله-: واختلفوا في كراهة رفع البصر إلى السماء في الدعاء في غير الصلاه، فكرهه شُرَيح وآخرون، وجوزه الأكثرون، وقالوا: لأن السماء قبله الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ولا ينكر رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع اليد، قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: ٢٢]. انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قولهم: "لأن السماء قبلة الدعاء" نظر لا يخفى؛ فإن الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الكعبة هي قبلة الصلاة والدعاء، فقد ثبت عنه في كثير من المواطن أنه كان يتوجّه إلى القبلة في الدعاء، وتشبيهُهُ برفع اليد غير صحيح، فإن رفع اليد في الدعاء ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة، وأما رفع البصر إلى السماء في الدعاء فلم يرد، وأما الآية فليس فيها بيان كون السماء قبلة للدعاء، كما لا يخفى على من تأمل.

والحاصل أن السنة في الدعاء هو التوجه إلى القبلة، لا إلى السماء. والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": واختلف في المراد بذلك، فقيل: هو وعيد، وعلى هذا، فالفعل المذكور حرام، وأفرط ابن حزم، فقال: يبطل الصلاة، وقيل: المعنى أنه يُخشى على


(١) "شرح مسلم" ج / ٤ ص ١٥٢.