للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رأيت في بعض طرقه الصحيحة "فإذا قام أعادها" انتهى.

وهذه الرواية في "صحيح مسلم"، ولأحمد "فإذا قال حملها، فوضعها على رقبته".

والحديث يدلّ على أن مثل هذا الفعل معفوّ عنه من غير فرق بين الفريضة والنافلة، والمنفرد والمؤتم والإمام، لما في "صحيح مسلم" من زيادة "وهو يؤم الناس في المسجد"، وإذا جاز ذلك في حال الإمامة في صلاة الفريضة جاز في غيرها بالأولى.

قال القرطبي: وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة، واستبعده المازري، وعياض، وابن القاسم، لما ثبت في مسلم: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس، وأمامة على عاتقه". قال المازري: إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة، وأصرح من هذا ما أخرجه أبو داود بلفظ "بينما نحن ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر، أو العصر، وقد دعاه بلال إلى الصلاة، إذ خرج علينا، وأمامة على عاتقة، فقام في مصلاه، فقمنا خلفه، فكبر، فكبرنا، وهي في مكانها". وعند الزبير بن بكار. وتبعه السهيلي "الصبح". ووهم من عزاه إلى "الصحيحين".

قال القرطبي: وروى أشهب، وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرووة، حيث لم يجد من يكفيه أمرها.

وقال بعض أصحابه: لأنه لو تركها لبكت، وشغلت سرّه في صلاته أكثر من شغله بحملها. وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة. وقال الباجي: إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد جاز فيهما.

قال القرطبي: وروَى عبدُ الله بن يوسف التنيسي، عن مالك أن الحديث منسوخ. روى ذلك الإسماعيلي، عقب روايته للحديث من طريقه، لكنه غير صريح، ولفظه: قال التنيسي: قال مالك: من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسخ ومنسوخ، وليس العمل على هذا. وقال ابن عبد البرّ: لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة.

وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأن هذه القصة كانت بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الصلاة لشغلا"؛ لأن ذلك كان قبل الهجرة (١)، وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعًا بمدة مديدة. قاله الحافظ رحمه الله -تَعَالَى-.

وذكر عياض عن بعضهم: أن ذلك كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، لكونه معصومًا من أن تبول، وهو حاملها. وردّ بأن الأصل عدم الاختصاص، وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في مثل ذلك.


(١) قوله: "قبل الهجرة" فيه نظر قد سبق تحقيقه.