للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فجاء الله بالإسلام) قال السندي رحمه الله: عطف على مقدر، أي كنا فيها، فجاء الله، انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: لا حاجة إلى هذا التقدير، فإن الكلام مستقيم، لا يحتاج إلى تقدير شيء. والله -تَعَالى- أعلم.

وإنما ذكر معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - هذا تمهيدا لأسئلته التالية (وإن رجالا منا يتطيّرون) أي يتشاءمون بالطيور، يقال: تطيّر من الشيء، واطّيّر منه، والاسم الطِّيَرَة، وزان عنبة، وهي التشاؤم، وكانت العرب إذا أرادت المضي لمهمّ مرّت بمَجَاثم الطير، وأثارتها، لتستفيد هل تمضي، أو ترجع، فنهى الشرع عن ذلك. قاله في "المصباح".

وقال في "النهاية": "الطِّيَرَة" -بكسر الطاء، وفتح الياء، وقد تسكن-: التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير، يقال: تَطَيَّرَ طِيَرَةً، وتخيّر خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما.

وأصل التطيّر: التفاؤل بالطير، واستعمل لكلّ ما يُتَفاءل به، ويُتَشاءم، وكانت العرب تتطير بالطيور والظباء، فيستبشرون بالسَّوَانح، وهي أن يَمُرّ الطير والصيد من اليسار إلى اليمين، ويتشاءمون بالبَوَارح، وهي مرور الطير والصيد من اليمين إلى اليسار، وكانت ذلك يصدّهم عن مقاصدهم، ويمنعهم من السير إلى مطالبهم، فنفاه الشرع, وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع، أو دفع ضرر. انتهى بتصرف (١).

(قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - جوابًا على سؤاله هذا (ذاك) إشارة إلى التَّطَيُّر المفهوم من "يتطير" (شيء يجدونه في صدورهم) أي ليس له أصل يُسْتَنَدُ إليه، ولا له برهان يُعْتَمَدُ عليه، ولا هو في كتاب نازل من عند الله -تَعَالَى-. وقيل: معناه أنه معفوّ، لأنه يوجد في النفس بلا اختيار، نعم المشي على وفقه منهي عنه، فلذا قال (فلا يصدّنّهم) أي لا يمنعنّهم عما هم فيه. قال السندي رحمه الله: ولا يخفى أن التفريع على هذا المعنى يكون بعيدا. انتهى.

وقال النووي رحمه الله: قال العلماء: معناه أن التطير شيء تجدونه في نفوسكم، ضرورةً، ولا عَتْبَ عليكم في ذلك، فإنه غير مكتسب لكم، فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه عن التصرف في أموركم، فهذا هو الذي تقدرون عليه، وهو مكتسب لكم، فيقع به التكليف، فنهاهم - صلى الله عليه وسلم - عن العمل بالطِّيَرَة، والامتناع عن تصرفاتهم بسببها. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير، وهو محمول على العمل بها،


(١) "النهاية في غريب الحديث" ج ٣ ص ١٥٢.