للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أما التشهد الأول، فقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه": "باب من لم ير التشهّد الأول واجباً، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام من الركعتين، ولم يرجع"، ثم أخرج حديث عبد الله ابن بُحينة رضي الله تعالى المتقدم -١٩٦/ ١١٧٧.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وقد استَدَلَّ بهذا الحديث كثير من العلماء -كما أشار إليه البخاريّ- على أن التشهد الأول ليس بواجب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نسيه، ولم يرجع إليه بعد قيامه إلى الركعة الثالثة.

وممن ذهب إلى أن التشهد الأول، والجلوس له سنة، لا تبطل الصلاة بتركهما عمداً: النخَعيُّ، وأبو حنيفة، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وحُكي روايةً عن أحمد، والمنصوص عن أحمد إنكار تسميته سنة, وتوقف في تسميته فرضاً، وقال: هو أمرٌ أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقال الثوريّ، وأحمد في ظاهر مذهبه، وإسحاق، وأبو ثور، وداود: إن تَرَكَ واحداً منهما عمداً بطلت صلاته، وإن تركه سهواً سجد لسهو.

وحَكَى الطحاويّ مثله عن مالك، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يداوم عليه، وقال: "صلّوا كما رأيتموني أصلي"، وإنما تركه نسياناً، وجبره بسجود السهو.

وقد روي عنه الأمر به، كما خَرَّجه أبو داود من حديث رفاعة بن رافع، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للمسيء في صلاته: "فإذا جلست في وسط الصلاة، فاطمئنّ، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد".

والعجب أن من المخالفين في ذلك من يقول في خطبتي الجمعة: إذا لم يجلس بينهما لم تصحّ الخطبة، وهو يقول: لو صلّى الظهر أربعاً من غير جلوس في وسطها صحت صلاته.

وأما التشهد الآخر والجلوس له، وهو الذي ترجم له المصنف رحمه الله تعالى هنا بقوله: "باب إيجاب التشهد"، فقال كثير من العلماء: إنهما من فرائض الصلاة، ومن تركهما لم تصحّ صلاته، وهو قول الحسن، ومكحول، ونافع مولى ابن عمر، والشافعيّ، وأحمد في ظاهر مذهبه، وإسحاق، وأبي ثور، وداود، وحكى ابن المنذر مثله عن مالك، إلا أنه قال: إذا نسيه خلف الإمام حَمَلَه عنه، وروي عن الأوزاعيّ نحوه، ونقلَ مُهَنَّا عن أحمد ما يدلّ على مثل ذلك، وقال أبو مصعب: من ترك التشهد بطلت صلاته، ونقله عن مالك، وأهل المدينة.

وقالت طائفة: هو سنّة كالتشهد الأول، لا تبطل الصلاة بتركه، منهم: النخعي، وقتادة، وحمّاد، والأوزاعيّ، وهو المشهور عن مالك.