للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

انتسب إليه -صلى الله عليه وسلم- من أولاد ابنته، فإنما هو من جهة فاطمة خاصّةً، ولهذا قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحسن ابن ابنته: "إن ابني هذا سيد" (١) فسماه ابنه، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهَلَة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} الآية [آل عمران: ٦١] دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة، وحسناً، وحسيناً، وخرج للمباهلة.

قالوا: وأيضاً، فقد قال الله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ} [الأنعام: ٨٤ - ٨٥] ومعلوم أن عيسى لم ينتسب إلى إبراهيم إلا من جهة أمه مريم عليهما السلام.

وأما من قال بعدم دخولهم، فحجته أن ولد البنات إنما ينتسبون إلى آبائهم حقيقةً، ولهذا إذا وَلَّدَ الهذليُّ، أو التيميُّ، أو العدويُّ هاشميةً لم يكن ولدها هاشمياً، فإن الولد في النسب يتبع أباه، وفي الحرية والرّقّ أمه، وفي الدين خير الأبوين ديناً، ولهذا قال الشاعر [من الطويل]:

بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا … بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ

ولو أوصى، أو وقف على قبيلة لم يدخل فيها أولاد بناتها من غيرها.

قالوا: وأما دخول أولاد فاطمة -رضي الله عنها- في ذرّيّة البني -صلى الله عليه وسلم-، فلشرف هذا الأصل العظيم، والوالد الكريم الذي لا يُدَانيه أحد من العالمين سَرَى، ونَفَذَ إلى أولاد البنات، لقوّته، وجلالته، وعظم قدره، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوّتهم إلى أولاد بناتهم، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم, ويكادون يُضرِبون عن ذكر آبائهم صفحاً، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدرُهُ، الجليل خَطَره.

قالوا: وأما تمسككم بدخول المسيح في ذرّيّة إبراهيم فلا حجة لكم فيه، فإن المسيح لم يكن له أب، فنسبه من جهة الأب مستحيل، فقامت أمه مقام أبيه، ولهذا ينسبه الله سبحانه إلى أمه، كما ينسب غيره من ذوي الآباء إلى أبيه، وهكذا كلّ من انقطع نسبه من جهة الأب، إما بلعان، أو غيره، فأمه في النسب تقوم مقام أبيه وأمه، ولهذا تكون في هذه الحال عصبته في أصحّ الأقوال، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو مقتضى النصوص، وقول ابن مسعود -رضي الله عنه- وغيره، والقياس يشهد له بالصحّة، لأن النسب في الأصل للأب، فإذا انقطع من جهته عاد إلى الأم، فلو قُدّر


(١) أخرجه البخاري، وأصحاب السنن.