للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً) بفتح الدّال على الأفصح، ويجوز الكسر، وحكى الليث الضم أيضًا، وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان، وبالكسر من الناس (١) والجمع دَجاج -بفتح الدال، وكسرها، ودَجائج، قال في "المحكم": سميت بذلك لإقبالها وإدبارها (٢).

واستُشكل التعبير في الدجاجة، والبيضة بقوله: "ثم كالمهدي"؛ لأن الهدي لا يكون منهما.

وأجاب القاضي عياض تبعًا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ، فيكون من الإتباع، كقوله: "متقلِّدًا سيفا ورُمحَا".

وتعقّبه ابن المنير في "الحاشية" بان شرط الإتباع أن لا يصرّح باللفظ في الثاني، فلا يسوغ أن يقال: متقلّدًا سيفًا، ومتقلّدًا رُمحًا. والذي يظهر أنه من باب المشاكلة، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: هو من تسمية الشيء باسم قرينه.

وقال ابن دقيق العيد: قوله: "قرّب بيضة"، وفي الرواية الأخرى "كالذي يهُدي" يدل على أن المراد بالتقريب الهدي، وينشأ منه أن الهدي يُطلق على مثل هذا، حتى لو التزم هديًا، هل يكفيه ذلك، أو لا انتهى.

والصحيح عند الشافعية الثاني، وكذا عند الحنفية والحنابلة، وهذا ينبني على أن النذر هل يُسلك به مسلك جائز الشرع، أو واجبه؟ فعلى الأول يكفي أقلّ ما يُتقرّب به، وعلى الثاني يُحمل على أقلّ ما يُتقرّب به من ذلك الجنس، ويقوى الصحيح أيضًا أن المراد بالهدى هنا التصدّق، كما يدلّ عليه لفظ التقرّب، والله أعلم. قاله في "الفتح".

(ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً) بفتح، فسكون واحدة البيض، بفتح، فسكون أيضًا. قال الفيّومي رحمه الله: البيض للطائر بمنزلة: الولد للدوابّ، وجمع البيض بيُوض، -أي بالضم- والواحدة بيضة، والجمع بيضات -بسكون الياء، وهُذَيل تفتح على القياس. ويُحكَى عن الجاحظ أنه صنّف كتابًا فيما يَبيض، ويَلد من الحيوانات، فأوسع في ذلك، فقال له عربيّ: يَجمع ذلك كله كلمتان: كلّ أَذُون وَلُودٌ، وكُلُّ صَمُوخٍ بَيُوضٌ (٣) انتهى (٤).

والمراد هنا بيض الدجاج. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "فتح" ٣/ ٢٠.
(٢) "طرح" ٣/ ١٧٨.
(٣) معناه: أن ماله أذن من الحيوانات يَلِدُ، ولا يَبض، وماله صِمَاخ، ولَيس له أذن يَبِيض، ولا يلد.
(٤) "المصباح" ١/ ٦٨.