للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.

وقال الزين ابن المنيّر: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام. وأغرب أبو عُبيد الهروي في "الغريب"، فقال: معنى لغا: تكلّم، كذا أطلق، والصواب التقييد.

وقال النضر بن شُميل: معنى لغوتَ خبتَ من الأجر. وقل: بطلت فضيلة جمعتك. وقيل: صارت جمعتك ظهراً.

قال الحافظ: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود, وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً: "ومن لغا، وتخطّي رقاب الناس كانت له ظهراً". قال ابن وهب أحد رواته: معناه أجزأت عنه الصلاة، وحُرم فضيلة الجمعة. ولأحمد من حديث عليّ مرفوعاً: "من قال: صَهْ، فقد تكلم، ومن تكلّم، فلا جمعة له"، ولأبي داود نحوه، ولأحمد، والبزّار من حديث ابن عباس مرفوعاً: "من تكلّم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فهو كالحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليست له جمعة"، وله شاهد قويّ في "جامع حماد بن سلمة"، عن ابن عمر موقوفاً.

قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة، للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.

وحكى ابن التين عن بعض من جوّز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله: "فقد لغوت"، أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه، وهو جمود شديد، لأن الإنصات لم يُختَلَف في مطلوبيته، فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغياً، بل النهي عن الكلام مأخوذ من حديث الباب بدلالة الموافقة, لأنه إذا جُعل قوله: "أنصت" مع كونه أمراً بمعروف لغواً، فغيره من الكلام أولى أن يُسمّى لغواً.

وقد وقع عند أحمد من رواية الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في آخر هذا الحديث بعد قوله: "فقد لغوت" "عليك بنفسك" (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته:

حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هذا متفق عليه.

المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:


(١) "فتح" ٣/ ٨٠.