للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخّص مما ذُكر أن المذهب الراجح هو تحريم الكلام مطلقاً على حاضري الخطبة؛ لوضوح أدلته، وأما من كلمه الإِمام، أو كلم الإمامَ فلا يحرم ذلك عليه, لأنه مستثنى بالنصوص الكثيرة الدالّة على ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم فيمن لا يسمع الخطبة، هل يجب عليه الإنصات أم لا؟:

ذهب المالكية، والحنابلة، والظاهرية، إلى أنه لا فرق في وجوب الإنصات بين من يسمع الخطبة، ومن لا يسمعها. وحكاه ابن بطال وغيره عن أكثر العلماء، وحكاه ابن عبد البرّ عن مالك، والشافعيّ، وأبي حنيفة، وأصحابهم، والثوريّ، والأوزاعيّ، وهو الأصحّ عند الشافعية، واختلف الحنفية في هذه المسألة.

وروى ابن أبي شيبة، عن عروة بن الزبير أنه كان لا يرى بأساً بالكلام إذا لم يسمع الخطبة.

والمختلف فيه هو كلام الآدميين، أما الذكر، والتلاوة سرّا، فليس ممنوعاً منهما قطعاً.

قال ابن قُدامة: وهل ذلك أفضل، أو الإنصات؟ يحتمل الوجهين: أحدهما الإنصات أفضل، لحديث عبد الله بن عمرو، مرفوعاً: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر، رجل حضرها يلغو، فهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله، فإن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطّ رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفّارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عزّ وجلّ يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ". رواه أبو داود (٢).

ولقول عثمان: من كان قريباً يسمع، ويُنصت، ومن كان بعيداً يُنصت، فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظّ ما للسامع.

والثاني: الذكر أفضل, لأنه يحصل له ثوابه من غير ضرر انتهى.

وقال ابن عقيل من الحنابلة: في صورة البعد له المذاكرة في الفقه، وصلاة النافلة، والمشهور عندهم منع ذلك انتهى (٣).


(١) "طرح التثريب" جـ ٣ ص ١٩٢ - ١٩٥.
(٢) حديث حسن.
(٣) "طرح" ٣/ ١٩٦ - ١٩٧.