للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي صحة هذا نظر من أوجه:

الأول: أن المحفوظ أن معاوية هو الذي بدأ بطلب الصلح.

الثاني: أن الحسن ومعاوية لم يتلاقيا بالعسكرين حتى يمكن أن يتخاطبا، وإنما تراسلَا. فيحمل قوله: "فنادى يا معاوية" على المراسلة، ويجمع بأن الحسن راسل معاوية بذلك سراً، فراسله معاوية جهراً.

والمحفوظ أن كلام الحسن الأخير إنما وقع بعد الصلح، والاجتماع، كما أخرجه سعيد بن منصور، والبيهقيّ في "الدلائل" من طريقه، ومن طريق غيره بسندهما إلى الشعبيّ، قال: لما صالح الحسن بن عليّ معاوية، قال له معاوية: قم، فتكلّم، فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: أما بعد، فإن أكيس الكيس التقى، وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر الذي أختلفت فيه أنا ومعاوية حَقّ لامرىء كان أحقّ به منّي، أو حق لي تركته لإرادة إصلاح المسلمين، وحَقْن دمائهم، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}، ثم استغفر، ونزل.

وأخرج يعقوب بن سفيان، ومن طريقه البيهقيّ في "الدلائل" من طريق الزهري، فذكر القصّة، وفيها: فخطب معاوية، ثمّ قال: قم يا حسن، فكلّم الناس، فتشهد، ثم قال: أيها الناس، إن الله هداكم بأولنا، وحقَنَ دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدّةً، والدنيا دول، وذكر بقية الحديث.

والثالث: أن الحديث لأبي بكرة، لا للمغيرة، لكن الجمع ممكن بأن يكون المغيره حدّث به عندما سمع مُراسلة الحسن بالصلح، وحدّث به أبو بكرة بعد ذلك.

وقد روى أصلَ الحديث جابر، أورده الطبراني، والبيهقيّ في "الدلائل" من فوائد يحيى بن معين بسند صحيح إلى جابر، وأورده أيضاً الضياء في "الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين".

قال الحافظ: وعجبت للحاكم في عدم استدراكه مع شدّة حرصه على مثله.

قال ابن بطال: سلّم الحسن لمعاوية الأمر، وبايعه على إقامة كتاب الله، وسنة نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، ودخل معاوية الكوفة، وبايعه الناس، فسميت سنة الجماعة، لاجتماع الناس، وانقطاع الحرب، وبايع معاوية كلُّ من كان معتزلاً للقتال، كابن عمر، وسعد بن أبي وقّاص، ومحمد بن مسلمة، وأجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف، وألف ثوب، وثلاثين عبداً، ومائة جمل، وانصرف إلى المدينة، وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شُعبة، والبصرة عبد الله بن عامر، ورجع إلى دمشق انتهى (١).


(١) "فتح" ١٤/ ٥٦٦ - ٥٦٧.