للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكان يتعلم الرمي، امتثالًا للأمر في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الآية [الأنفال: ٦٠]؛ إذ القوة معناها الرمي، كما فسرها النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقد أخرج مسلم من حديث عقبة بن عامر - رضي اللَّه عنه -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول وهو على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي".

وأخرج أحمد، وأصحاب السنن عنه، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ارموا، واركبوا، وأن ترموا خير من أن تركبوا".

(بِأَسْهُم لي) جمع سَهْم: واحدُ النَّبْل، وقيل: نفسُ النَّصْل، ويجمع على سهام (بِالْمًدِينَةِ) النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام (إِذِ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَجَمَعْتُ أَسْهُمِي) أي لئلا تَضيع عليه لو تركها مفرّقةَ، وفي رواية مسلم: "فنبذتها"، أي طرحتها، وترك الاشتغال بها (وَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ مَا أَحْدَثَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ) ظنّ عبد الرحمن أنه لا بُدّ أن يتجدّد للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في الكسوف شيء من السنن, فأراد أن ينظر إليه.

(فَأَتَيْتُهُ مِمَّا يَلِي ظَهْرَهُ) أي من ورائه (وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ) جملة في محل نصب على الحالية (فَجَعَل) أي شرع، وأخذ (يُسَبِّحُ، وَيُكَبِّرُ، وَيَدْعُو) اللَّه سبحانه وتعالى، وفي رواية مسلم: "فأتيته، وهو قائم في الصلاة، رافع يديه … " قال النووي -رحمه اللَّه-: فيه دليل لأصحابنا في رفع اليدين في القنوت، وردٌّ على من يقول لا تُرفع الأيدي في دعوات الصلاة انتهى.

فبينت رواية مسلم أن التسبيح، والتكبير، والدعاء المذكور كان في الصلاة. وفيه استحباب التسبيح، والتكبير، والدعاء في صلاة الكسوف (حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا) بالبناء للمفعول، أي أزيل الانكساف عن الشمس، فنائب الفاعل ضمير يعود إلى الانكساف المفهوم من "انكسفت"، ويحتمل أن لا يكون في "حُسر" ضمير، فيكون مسندًا إلى الجارّ والمجرور، أي أزيل، وكشف عن الشمس ما بها من الانكساف (قَالَ: ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ) ظاهره أنه صلى بعد إنجلاء الشمس، وهو مخالف لسائر الأحاديث.

قال النووي في "شرح مسلم": هذا مما يُستشكل، ويُظنُّ أن ظاهره أنه ابتدأ صلاة الكسوف بعد إنجلاء الشمس، وليس كذلك، فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء، وهذا الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة، كما صرح به في الرواية الثانية، ثم جمع الراوي جميع ما جرى في الصلاة، من دعاء، وتكبير، وتهليل، وتسبيح، وتحميد، وقراءة سورتين في القيامين الآخرين للركعة الثانية، وكانت السورتان بعد الانجلاء